شن بيان لمجموعة من المثقفين الإسلاميين هجوماً عنيفاً على الرئيس، بسبب لقائه بالمثقفين والفنانين، معتبرين عدم دعوتهم للقاء تجاهلاً غير مقبول. لم يكتفوا بذلك بل نعتوا من تمت دعوتهم بأوصاف سلبية من قبيل: علمانيين، ليبراليين، يساريين، بل أنكروا عليهم حق تمثيل الثقافة بمعناها «الحقيقى». الإنكار نفسه وقع من الطرف الآخر، وهو ما عبر عنه الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى عندما قلل من أهمية البيان، مؤكدا أنه لا يعرف أى اسم من الأسماء التى وقعت عليه، وأنهم مجرد مجموعة من أساتذة الجامعات، وأنه لم يقرأ لأى أحد منهم. لو كنا بصدد مفهومين متعارضين «للثقافة» لهان الأمر، ولكن الأزمة أننا بصدد مجموعتين من القادة الثقافيين ينكر كل منهما الآخر، لا يعرف كل منهم فكر الآخر، بل ينكره ويريد احتكار «الثقافة» لنفسه، أو أنه مصر على قصر مفهوم «الثقافة» على تصور محدد فى ذهنه هو وجماعته فقط. هذا الانقسام الثقافى لم يظهر فجأة أو بشكل عشوائى، بل له جذور عميقة فى السياسة الثقافية التى أصر النظام السابق على اتباعها طوال سنوات حكمه. كانت تلك السياسة تقوم على عزل النخبتين الثقافيتين الأساسيتين فى المجتمع (المدنية والإسلامية)، عن بعضهما البعض ومنع اختلاطهما، لتفادى الصدام السياسى المتوقع عن هذا الاحتكاك غير المرغوب فيه. النخبة الثقافية المدنية فى وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة، والنخبة الثقافية الإسلامية فى الأزهر ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، مع التضييق على بعض أجنحتهم التى تربط ربطاً مباشراً بين مشروعها الثقافى ومشروعها السياسى، كالمثقفين الداعين للديمقراطية السياسية، أو الإخوان الداعين لحكم إسلامى. الهدف الاستراتيجى (السياسى والأمنى) هو استمرار انقسام المجتمع ثقافياً بحيث يسهل السيطرة عليه سياسياً، كما يسهل توظيف أحد الفريقين لضرب الطرف الآخر من مرحلة سياسية لأخرى. هذه السياسة الثقافية الرئيسية غير المعلنة هى التى كانت تحكم السياسات الثقافية الفرعية فى مصر؛ إنْ فى وزارة الثقافة أو فى الأزهر ووزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وكذلك فى قطاعات أخرى ذات علاقة بالثقافة كالإعلام والتعليم. هذه السياسة الثقافية القديمة لم يعد متاحاً لها أن تستمر بعد ثورة 25 يناير التى اختلطت فيها أصوات ودماء الشباب المصرى من كل الميول الثقافية والسياسية. استمرار لقاءات الرئاسة بممثلى «الثقافتين» كل على حدة، يعنى أنها لا تزال تعمل «على قديمه». الإدارة الثورية للثقافة فى البلاد فى هذه المرحلة تعنى وضع خطة استراتيجية، لتنظيم الحوار الثقافى بين الفرقاء الثقافيين كى يتعرف كل طرف على ثقافة الآخر ويتفهمها ويقدر منظورها الخاص -حتى لو ظل على خلافه معها- وهذه هى الترجمة السياسية لروح التعدد الثقافى وقبول الآخر التى ظهرت فى الميدان. لن تظل النخبتان المدنية والإسلامية منعزلتين كل عن الأخرى، بل ستتداخلان فى العديد من المواقع الخاصة «بإدارة الثقافة» فى البلاد، وكافة أجهزة الإعلام أيضاً. صحيح أن هذا النمط من إدارة الثقافة، خاصة فى سنواته الانتقالية الأولى، سيوفر مناخاً مواتياً للصدامات الثقافية- الدينية عالية الصوت السياسى، وغالباً ما ستأخذ هذه الأزمات مداها السياسى الزاعق نظراً لغياب الدور المطلق الذى كان يلعبه «الأمن» فى وضع الحدود لمثل تلك الأزمات، التى انتهت إحداها بحل حزب سياسى هو حزب «العمل» مع أزمة «وليمة لأعشاب البحر»، إلا أن هذه المخاطرة المحسوبة هى الضريبة الطبيعية لسياسة جديدة للثقافة المصرية بعد ثورة حقيقية بحجم ثورة 25 يناير.