يجلس حامد محمود تعلب، 68 سنة، على شريط من الحصير أمام بيته الريفى البدائى بقرية الرهاوى ساعة القيلولة، يغالبه النوم فيغفو قليلا لكنه سرعان ما يستيقظ على صيحات أحفاده الذين يلهون بجانبه.هو فلاح أصيل مثل أبيه لم يكمل دراسته واكتفى بالشهادة الابتدائية.أخرجه أبوه من التعليم ليساعده فى فلاحة الأرض.يترحم الرجل على حال الفلاحين أيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ويقول: أزهى عصور الفلاح كانت فى عهده؛ لأن الفلاح كان همه الأول والأخير، حيث أنشأ آلاف الجمعيات الزراعية والتى كانت زاخرة بكل ما يلزم الفلاح مثل السماد والمبيدات والبذور والكثب والعلف. زراعة القطن فى عهده كانت تساهم فى الاقتصاد الوطنى وكانت مصدراً هاماً للعملة الصعبة بسبب تحديد أحواض زراعية كاملة لزراعته؛ لكن هذه الجمعيات الآن خاوية من احتياجات الفلاح الأساسية وأصبح ضحية لاستغلال تجار البذور والسماد لذلك انصرف الفلاحون عن الزراعة والأرض وفضلوا الجلوس أمام شاشات التليفزيون. وزارة الرى تسببت فى ملوحة التربة بالجانب الغربى من أراضى الرهاوى؛ لأنها لم تعد إنشاء ماسورة الرى بعد أن تم كسرها خلال إنشاء أحد الكبارى وهو ما اضطرنا إلى حفر آبار يعتمدون فيها على زراعتهم حتى أصيبت الأرض بالملوحة ورغم استغاثاتنا لا مجيب دخلنا فى طى النسيان عكس عهد ناصر حيث أنشأ الرجل أهم مشروع فى مصر حتى الآن، هو السد العالى حيث انتعشت الزراعة وخصص للفلاحين «الغلابة» أراضى من الإقطاعيين، وهو ما لم يسعدوا به فى العقود التالية. حال الفلاح بدأ يتراجع منذ عام 1978 مع عصر الانفتاح عندما قال السادات: «من لم يغتنِ فى عهدى لن يغتنى أبداً»، وفعلاً اغتنت فئة ما زالت «تكبس» على أنفاسنا حتى الآن، وتدهورت أوضاع الفلاحين وبلغت مديونياتهم ذروتها فى العهد البائد فى ظل نظام حسنى مبارك. لم ينس تعلب يوم وفاة عبدالناصر كأنه كالأمس، سمع الخبر من جهاز الراديو فدخل فى نوبة بكاء شديدة. شعر باليتم رغم وجود أبيه على قيد الحياة.تحول ذلك اليوم إلى «مناحة» فى كل أنحاء القرية بعد أن التفوا حول الراديو يستمعون إلى الأخبار الواردة عن تشييع جنازته. لا يزال تعلب يحفظ عن ظهر قلب نشيداً كثيراً ما ردده فى الابتدائية وهو: «مصر أمنا حقها وجب.. تراب أرضها ينبت العجب.. ماء نيلها سائل الذهب.. مصر أمنا وهى النسب» أخبار متعلقة: «الوطن» تحيى الذكرى ال42 لرحيل الزعيم: ناصر.. ما زال هنا «الإخوان» فى زمن «ناصر».. و«ناصر» فى زمن «الإخوان» «فرحات»: السمك فاض فى الستينات.. والتلوث يقتله الآن حلم النهضة الصناعية.. قتيل برصاصة «الخصخصة» لحظة رحيل الزعيم.. دمعة فى عيون أدباء مصر جاهين يرثي الزعيم سعد ركيبة: عشت أيام الثورة والكاريزما عواض:«كان صعيدى جدع وشهم ودماغه ناشفة»