أول أيام العام الدراسي.. محافظ الغربية يتفقد مدارس طنطا ويوجه الشكر لمديرية التعليم    النيابة العامة تخلي سبيل صلاح التيجاني بكفالة مالية    محافظ المنوفية يعلن طرح 12 مدرسة جديدة للتعليم الأساسي والإعدادي والثانوي    مفتي الجمهورية: الحوار بديل فعال للصراع والنزاع العالمي    مجلس الوزراء: خطوات هامة وبدايات مبشرة لصناديق الاستثمار المصرية في الذهب    «النقل الدولي»: تأسيس مركز عالمي لصيانة السفن يدعم توطين الصناعة محليا    مؤشر الذهب العالمى يسجل مستوى تاريخيا، الأونصة وصلت لهذا السعر    لحوم مجمدة بسعر 195 جنيها للكيلو في منافذ المجمعات الاستهلاكية    وصول آلاف السياح إلى الغردقة ومرسى علم في آخر أيام الصيف    «القاهرة الإخبارية»: 60 مصابا من المدنيين بسبب الغارة الإسرائيلية على بيروت    وزير الداخلية اللبناني: انعقاد دائم لمجلس الأمن الداخلي لمواجهة اختراقات الاحتلال الإسرائيلي    الناخبون في التشيك يواصلون التصويت لليوم الثاني في انتخابات مجلس الشيوخ والمجالس الإقليمية    بمناسبة يوم السلام العالمي، مصر تكشف دورها الريادي في تحقيق الاستقرار إقليميًا وعالميًا    التشكيل المتوقع للمصري في مواجهة الهلال الليبي بالكونفدرالية    السيسي يوجه بتحجيم المشاركة في الألعاب التي لا تتمتع مصر فيها بميزة تنافسية    توجيهات رئاسية لمحاسبة الاتحادات المشاركة في أولمبياد باريس    حاول شنقها بدافع السرقة، كشف غموض التعدي على مسنة داخل منزلها بالغربية    انتظام الدراسة في المعاهد الأزهرية.. جولة لرئيس القطاع في الأقصر.. وتعليمات بسرعة تسليم الكتب والمشاركة في مبادرة بداية (صور)    بمختلف المحافظات.. رفع 46 سيارة ودراجة نارية متهالكة    إخلاء سبيل صلاح التيجاني بكفالة 50 ألف جنيه    مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي يعلن قوائم لجنة المشاهدة بالدورة التاسعة    عمرو الفقي: تحية لفريق عمل والقائمين على مسلسل برغم القانون    الرعاية الصحية بالإسماعيلية: «بداية» خارطة طريق لبناء مواطنين أصحاء نفسيا وبدنيا وفكريا    وزير الصحة يلتقي السفير المصري بالهند لبحث سبل التعاون المشترك    ضمن مبادرة «بداية جديدة».. تقديم العلاج لكبار السن بالمنازل في الشرقية    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    المشاط تبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الفرنسية للتنمية    انطلاقة قوية لمواليد برج الأسد في بداية الشهر الشمسي الجديد    القصة الكاملة لشائعة وفاة محمد جمعة.. ما علاقة صلاح عبد الله؟    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    صور| "بالجلباب والطربوش".. المعاهد الأزهرية تستقبل الطلاب في أول أيام الدراسة بقنا    واتكينز ينهي مخاوف إيمري أمام ولفرهامبتون    اليوم .. منتخب مصر يواجه أمريكا في نهائي بطولة العالم للكراسي المتحركة لليد    مستشفيات جامعة سوهاج تنهي قوائم الانتظار بنسبة 98 ٪؜    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    تقرير أمريكي: بلينكن لم يزر إسرائيل بجولته الأخيرة خشية تقويضها لجهود الوساطة    «اللي بيحصل يهد ريال مدريد».. رسالة نارية من ميدو ل جمهور الزمالك قبل السوبر الإفريقي    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    انتظام الدراسة في أول أيام «العام الجديد» بقنا (تفاصيل)    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    رواتب تصل ل25 ألف جنيه.. فرص عمل في مشروع محطة الضبعة النووية - رابط التقديم    وزير الإسكان: تخفيض 50% من رسوم التنازل عن الوحدات والأراضي بالمدن الجديدة    بعد ارتفاع الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 21 سبتمبر 2024 في المصانع    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو اعتداء شخص على سيدة في القاهرة    بدء العام الدراسي الجديد.. ما هي خطة وزارة الصحة لتأمين للمنشآت التعليمية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    انخفاض جديد في درجات الحرارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    لطيفة: أمي قادتني للنجاح قبل وفاتها l حوار    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    الزمالك يُعلن طبيعة إصابة مصطفى شلبي ودونجا قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكاتب الكبير جمال الغيطانى وصفحات من «كتاب الألم» .. الأزرق والأبيض [4]
نشر في الوطن يوم 27 - 09 - 2012

منذ عامين، مر الأديب جمال الغيطانى بأخطر لحظات واجهته فى حياته، رغم أنه عرف الأخطار كثيراً زمن الحرب، وفى ظروف أخرى، غير أن الفرق كبير بين خطر يأتى من الخارج، ومداهمة من الداخل، بدأت الأزمة على الهواء مباشرة فى برنامج تليفزيونى، وانتهت فى مستشفى كليفلاند. ذلك الوقوف قرب نقطة العبور إلى الأبدية، وعندما يكون الإنسان أديباً، مبدعاً، مهموماً بالمصير، بالمبدأ والمعاد، فإن الموقف يكون أدق، كان الغيطانى محظوظاً، عبر إلى هناك وعاد ليقص علينا عبر هذه النصوص الفريدة دراما المصير، نصوص جديدة، ليست يوميات، أو سجلات مباشرة؛ لكنها تبدع اللحظات النادرة والحافلة بالرؤى لتضيف صفحات جديدة إلى كتاب الألم الإنسانى.
ظهراً
يخطوان. يتقدمان على مهل، الرصيف كله لم يكن موجوداً فى الإقامة الأولى، يبدأ من الناصية المواجهة للفندق، يستمر حتى المدخل المؤدى إلى داخل المبنى الجديد المخصص لكل ما يتعلق بالقلب، يعتبر المنطقة المركزية للمنشآت المتعددة التى أضيفت وغيرت المعالم، فى السعى اليومى خلال الأيام العشرة التى أمضاها قبل الجراحة اعتاد رؤيته، زنجى هائل التكوين، طويل، عريض، غير أن انحناءة رأسه ونظره المتجه باستمرار إلى الآنية التى يقلى فيها السجق والتى تتوسط عربة اليد التى صف فوقها أكياس خبز هش يتسق تماماً مع اللحم المفروم، الملفوف، لم يرَ اللحظة التى يصل فيها، يدفع عربة اليد الصغيرة التى زينها بأعلام ملونة. لم يشهد أيضاً انصرافه، لكنه أثناء محاذاته لاحظ ملامحه المستكينة التى ينطبق عليها تماماً ذلك اللفظ الوصفى الذى توقفت أمامه طويلاً عندما يقال عن شخص ما إنه «طيب»، فلان ده رجل طيب، تمنى أن يتوقف ليشترى ساندويتش، لقاء السجق بالمستردة يبعث مذاقاً جميلاً رغم أنه ينفر من وجبات الأكل السريع، خاصة الهامبورجر الذى يغطى عادة بالصلصة الحمراء التى تسوى بين المذاقات كافة، وربما يكمن تأثير ما بمواقف عامة، معلنة فى بلاده، تدعو بين الحين والحين إلى مقاطعة بعض مطاعم الوجبات السريعة أمريكية المنشأ والتى أصبحت من رموز العولمة، يبتسم، هل يضمر سخرية من مثل هذه الدعوات التى تريح عند المحتجين شيئاً ما؟ ربما، الرجل يقلب أصابع السجق على مهل، أحياناً يمسح العربة النظيفة، لا يتوقف، لا يكل، ولا يهدأ، لم يرَه إلا فى حركة، لم يشهده عاقداً يديه أو متأملاً الفراغ، دائماً يحرك الأشياء المتصلة بالعربة، أما ذروة نشاطه عندما يعد رغيفاً لأحدهم، يضيف من هذه العلبة أو تلك، وقد ينحنى بأدب ليستفسر عما إذا كان من الأفضل وضع بعض من هذا أو ذاك؟
داخل المبنى الجديد ثلاثة مطاعم، أحدها يوجد به أطعمة من الشرق والغرب ليطابق اسمه «الدولى»، أصغرها مخصص لأنواع من الشوربة والسلاطة والشطائر المحشوة بالجبن، طبعاً بخلاف الزبادى وعصائر الفاكهة والمياه المعدنية والغازية بكل أصنافها، الأسعار معقولة جداً بالقياس إلى السوق، والأماكن متنوعة فى الألوان وشكل المناضد والمقاعد، جهد مبذول لطالما تأمل مفرداته، الهدف منه التمويه على الكافة بحقيقة المبنى والمكان، إنه مستشفى، يعمل المطعم الدولى لمدة أربع وعشرين ساعة، فى أى وقت يمكن ارتياده، الجميع يأكلون فيه، الأطباء، الكبار، الممرضون، الزوار، أهالى المرضى، المرضى، فى نهاية الصالة باب متقن، مزدوج ذو مصراعين، يفتح فجأة ليجتازه أحد العاملين، يؤدى إلى العمق حيث الممرات وحجرات الكشف والتحليل وشق الصدور أو التعامل مع الأجزاء المختلفة من الأجساد الخاضعة، المطاعم الثلاثة تضفى حيوية على الطابق الأول وبهجة مقنعة وضوء به آثار الغازات والبنج والأدوية الواقية، كل شىء متاح، مذاقات مختلفة، ومع ذلك يخرج بعض من يرتدون الملابس البيضاء، ويعلقون إلى صدورها مربعات صغيرة تحمل أسماءهم ونوعية تخصصاتهم، يتجهون ظهراً إلى عربة الزنجى، منهم الذى يقف ليأكل متمهلاً، الساندويتش فى يده وعلبة المياه الغازية والعصير فى اليد الأخرى، ما إن يفرغ حتى يتجه لإلقاء ما تبقى فى إحدى سلال المهملات، أحياناً يرى الرجل الطيب بمفرده، يشغل نفسه بتقليب السجق، أو العناية بالعربة، وأحياناً حوله ثلاثة أو أربعة، يعمل بنشاط وحمية ليلبى..
متقاعد
تعرف إليه فى الرحلة الأولى، كان عالماً مرموقاً، له إنجاز طوّر به عمليات تخدير المرضى خاصة فى عمليات القلب المفتوح، إحدى الشخصيات التى يقوم عليها المستشفى، بل إنه تولى إدارته فى مرحلة معينة، فى الجراحة الأولى قام بتخديره، ما زال يذكر قدومه مسرعاً، بدأه الخطوات، الثعكة الحادة فى العنق، وحوارهما عند مدخل غرفة العمليات، من بواعث رسوخه وقتئذ وجوده إلى جواره، فى مواجهته أثناء قيامه بإجراءات التخدير الأولى، لم يكن يعرف أن من بينها نقل الدورة الدموية إلى جهاز القلب الصناعى، كذلك التنفس إلى جهاز الرئة البديل، عالم جليل وإنسان جميل، ارتبطا بالمودة والهموم المشتركة، كلما جاء إلى مصر لا بد أن يلتقيه، وإذا تردد هو على الولايات المتحدة لا بد أن يهاتفه، لم يحدث قط أن زار كليفلاند منذ إجراء الجراحة أول مرة إلا الآن، بعد أربعة عشر عاماً يجىء مضطراً، الظروف أصعب من المرة السابقة، طبيب فى القاهرة يطلب فى تقريره تغيير الصمامين، الأورطى والميترالى، كذلك الشرايين التى تم تركيبها عام ستة وتسعين، جراحة كبرى تقتضى ظروفاً دقيقة، أطلع صاحبه عبر الهاتف على كافة التفاصيل، غير أنه لم يطلب منه ما فكر فيه وأضمره، أن يطلب من المستشفى قيامه بعملية التخدير، يعرف أنه تقاعد منذ خمس سنوات، وأنه يبذل معظم وقته للعمل العام فى إطار الكنيسة، إلا أنه كان متأكداً من استجابة الرجل إلى طلبه، لكن ماذا عن المستشفى؟ هل يقبلون ذلك فى مؤسسة أمريكية؟ لو أن الأمر فى مصر لجرى كل شىء بيسر، صاحبه لم يكف، أبدى همة عالية فى الاستجابة، وأكد أنه قام بعدة اتصالات لتأمين جراح متمكن، منذ وصوله بصحبة زوجته لم يفارقهما، صحبهما إلى أماكن شتى، وكان يتابع ما يجرى عبر بعض العاملين فى القسم الدولى الذى يتولى شئون المرضى الأجانب.
ساعة معينة، يوم محدد، اتفقا على اللقاء فيه، سيجرى بعض اللقاءات التى تؤمن ظروفاً أفضل تطمئنه، وتبث عنده السكينة، غير أنه بدأ يقلق منذ أن التقى صاحبه عند مدخل المبنى الرئيسى، والذى احتوى المبنى القديم الذى أجرى فيه الجراحة الأولى، اجتهد منذ وصوله فى محاولة تحديد موقعه، لم يجده، رأى ما يشبهه خاصة أن المبانى القديمة كلها مشيدة بالطوب الوردى الفاتح، بدا صاحبه غير راضٍ عن صدارة المبنى الحديث للمشهد، أشار إلى آخر قديم بجوار الممر المؤدى، قال إنه المبنى الأول فى المستشفى كله، كان يجب الإبقاء عليه وإبرازه، قال إنه عرف مكان اللقاء بصعوبة، اضطر إلى أن يسأل بعضهم، إنها المرة الأولى التى يجىء فيها إلى المكان.
فعلاً، خطواته تتحسس طريقها، لا يقدم بصفة الواثق، فى المرة الأولى لم يكن يتحرك إلا مندفعاً، بسرعة، متسيداً ما حوله، يومئ بسرعة لمن يبدى التحية وأحياناً لا يلحظ، إذا توقف للحديث إلى أحد مساعديه تلوح منه الإدارة وتبدو هيئة اتخاذ القرار، اليوم رآه يمشى متمهلاً، متردداً كأنه يخشى السقوط فى حفرة غير مرئية أو لمس سلك كهربائى عارٍ، يتلفت حوله، يبدو أكثر بدانة، أبطأ خطواً، بدأ يدرك إحراجه للرجل، رغم أنه ما زال يعيش فى نفس المدينة، على بعد عشرين دقيقة من المنطقة إلا أن المسافة غير المرئية شاسعة، يخشى أن يكون مصدر ضغط وإزعاج، لكن التراجع الآن صعب.
يصل الشاب المرافق، تأخر قليلاً لمرافقته مريضاً عربياً هاماً، لأول مرة يلتقى بصاحبه، سمع عنه، استفسر منه عن سبب قدومه، قال الشاب إنه قبل العمل كمترجم حتى يتم امتحان المعادلة، عندئذ يلتحق بالعمل كطبيب، هذا سيغير أحواله تماماً، لم يدر عن أى معادلة يتحدث، لكنه لاحظ تأكيد صاحبه على صعوبة الفرصة، وعورة الامتحان، يهز الشاب رأسه مؤكداً إدراكه للمصاعب ولكن وعورة الحياة فى مصر تحتم عليه بذل المجهود، يتقدمهما إلى المصعد، بالطبع تختلف خطواته، وتقدمه، يجول المكان عدة مرات يومياً، يحفظ المداخل والمخارج، السابع منطقة العمليات.
إنها المرة الأولى التى يطأ فيها الطابق الخاص بالجراحة، توقف فى الممر أمام الصور التى توضح داخل إحدى الغرف، حاول أن يستوعب ما يحيطه لكنه لم يستطع، يبدو كل شىء عصرياً، متقدماً، لا يعرف التفاصيل، لكن مجمل الصورة يمت إلى عصر الفضاء.
عند مدخل الممر المؤدى إلى الأقسام المتتالية، الحجرات المتوالج بعضها فى بعض، ما بينها ممرات مؤدية إلى صميم المكان، إلى غرف العمليات، توقفوا أمام إقبال سيدة زنجية عليه، قامت من مجلسها، دارت حول مكتبها المزدحم بآلات هاتف، وحواسب آلية، خطت بذراعين مفتوحتين، تضامتا حول جسد الدكتور الذى بدا سعيداً أنه التقى من يعرفه، علا صوت السيدة، نطقت كلمات حارة وكأنها من أهلنا فى الصعيد، قال إنه يريد أن يلتقى الدكتور ستارز، قالت إنه فى مكتبه، أشارت إلى الممر، قالت: إنها ترى هذا الشاب يومياً عدة مرات، يعرف الطريق، تبدو الممرات مساحات من اللون الأزرق، فى نهاية أحدها، مال الرجل عليه مشيراً إلى ثلاثة يقفون عند نهاية المسافة أحدهم يرتكز على الجدار، قال إنه الدكتور لايتل، إنه أكبر الجراحين سناً وأمهرهم، أثناء حديثهما قبل سفره من القاهرة، قال له إنه يريد ترتيب الأمور بحيث يجرى العملية الدكتور لايتل، لكن يبدو أنه لم يوفق، عندما وصل إلى هنا وقرأ برنامجه المكتوب، عرف أن الجراح اسمه الدكتور جوزيف سيبك رئيس قسم جراحة القلب، تأمل صورته على الجدار المؤدى وقرأ ما كتب عنه، خريج هارفارد عام اثنين وتسعين، أى منذ ثمانية عشر عاماً، لسبب ما أدركته راحة مصدرها ملامحه وهدوؤه وسمته الشرقى، فيما بعد قال ابنه إن الاسم ربما تحوير لسابق، سيبك - سابق، ربما الأصل لبنانى، أو أرمنى، أو شرقى عموماً، لا يعنيه هذا كله، منذ أن قرأ اسمه «شغل به»، وعاش توقع مقابلته التى تحدد لها قبل الجراحة بساعات.
الدكتور دخل مكتب ستارز بثقة، إنه نائبه، عمل معه منذ سنوات طويلة، تعانقا لم يلتقيا منذ شهور، الرجل هادئ، جفونه رموشها بيضاء، يقترب ممن نسميهم أعداء الشمس، لكنه يحدث بثبات، ويتحدث بهدوء، يمضع لباناً باستمرار، وينطق أثناء تحريك القطعة داخل فمه، فهمت أن الترتيب جرى، فقط يتبقى حسم الأمر عند اللقاء بين الجراح والمريض، ليخبره بالقرار، طبقاً لما هو مقرر لم يطرأ أى تغيير على الموعد، وما جرى من فحوص مطمئنة، التفت إليه وسأله عن التدخين، قال إنه كف منذ الجراحة الأولى، عاد ليتحدث مع الدكتور الذى كان يرأسه، بدا الرجل أكثر ثقة، هادئاً، واثق الخطى عند انتقاله إلى الطبيب لبنانى الأصل، إنه رئيس الرعاية المركزة كلها، جرى الحوار بالعربية، أكد أن التدخل لتغيير الأورطى دقيق فعلاً، لسبب ما كان اسم الأورطى يثير رهبته، ربما لأن صاحبه قضى أثناء جراحة استهدفته، جرى ذلك قبل عامين، يمر الوقت بسرعة، ما سيبقى من هذه الجولة، امتنانه للرجل الذى كان يفيض حيوية ويتدفق عبر كل مكان قبل إحالته إلى التقاعد، لم يعد يذكره إلا عدد قليل من الذين عاصروه أو عملوا معه مباشرة، اسمه معروف على مستوى التخصص الذى أجرى به تطورات مهمة، بذل جهداً للتوفيق بين الجراح ورئيس قسم التخدير الذى لا يشارك إلا فى العمليات الحساسة، رئيس الدعاية اللبنانى وعد خيراً، زيارة كهذه من الأمور النادرة هنا، لقد رأى الممر المؤدى مباشرة، هذا لا يتاح لأى مريض، بل إن معظم المرضى يجهلون طبيب التخدير الذى لا ينتبه إليه أحد، التركيز كله باتجاه الجراح، رغم خطورة عملية التخدير وأهمية القائم بها، لكم كان ساذجاً عندما فكر فى قيام صاحبه بتخديره، قال لنفسه: الشخص هنا مهما بلغ شأنه يؤدى دوره ويمضى، ما يبقى المؤسسة.
ما سيبقى من هذه الجولة، صمت الممرات، ورهبة ما لا يظهر، الكامن هناك داخل الغرف، وقفتهم فى مكتب دكتور ستارز، والدكتور اللبنانى الأصل، أيضاً تلك اللحظات فى الرعاية المركزة، بعد إفاقته عندما دخل الدكتور واتجه مباشرة إلى الطبيب المشرف على النوبة، يقف أمام منضدة مرتفعة، فوقها حاسب آلى، تطلع إلى الزائر بدون اكتراث، قال الدكتور معرفاً إنه رئيس قسم التخدير السابق، فقط أومأ رئيس النوبة برأسه، خلت نظرته من أى اهتمام، كان يتابع الموقف من خلال رقاده على ظهره، كان ما زال مغموراً بالضوء الأبيض الذى فتح عينيه عليه، آلام الجراح بادية، يميل قليلاً إلى الجانب الأيمن، كما عدلته رئيسة المسئولة عنه، تمنى لو لديه القدرة على النطق ليلفت نظر هذا الطبيب الذى يتطلع بلا مبالاة إلى الدكتور القديم موضحاً له شخصية محدثه ومكانته من قبل.
طلة
قدر أنه من اليمن، صحيح أن الجلباب أبيض، أى يمكن أن يكون سعودياً أو كويتياً، لكن هيئة الملامح تؤكد له أنه من جنوب شبه الجزيرة، ربما من جنوب اليمن، لولا الجلباب وخاصة الياقة المحكمة حول رقبته لظنه صعيدياً من أهل سوهاج أو قنا.
أول مرة رآه واقفاً، مفرداً، ينظر فى اتجاه محدد، إلى الشارع المؤدى، فى العصر عند العودة بعد انتهاء يوم طويل من الفحوصات رآه يجلس أمام الفندق، إلى يمين المدخل، مقعد عادى، مما يستخدمه الحراس الموجودون باستمرار، يجلس متحفزاً كأنه على وشك القيام أو النهوض للابتعاد، راحة يده اليسرى على نهاية المسند، أما ما لفت نظره فوضعية دماغه الضخم بالنسبة إلى جسده الربعة، المدكوك، شعره أسود، غزير، أجعد، كأنه نحت، صارم، متقن، أما الثابت، المثير لانتباهه فتلك النظرة، يتجه إلى نقطة ثابتة كأنه يتوقع مروق شىء ما، أو ظهور أمر طال الحديث عنه ولن يبقى فى مجال البصر إلا ثوان.
تلك النظرة، هذا التوقع.
استعادهما ليلاً مصحوبين بالتساؤلات، من؟ من أين؟ أى مرض تسبب فى مجيئه إلى هنا؟ ثمة شبه خفى يتصل بوالده، كان لأبيه مثل تلك النظرة خاصة فى الأيام الصعبة وأوقات الحيرة، تلك الطلة إلى بعيد، يستعيد من خلالها صياداً عجوزاً ظهر فجأة إلى جواره على شاطئ الإسكندرية، كأنه يحمل قفة فارغة على ظهره، يمسك بحبل، توقف على الحافة محدقاً باتجاه عمق البحر إلى اللاشىء، وجهه منحوت من أوقات الشدة، لا يمكنه نسيانه، من حين إلى حين يستعيده، كثيراً ما تأمل أصول اللوحات التى أتيح له أن يراها فى المتاحف، تلك التى تناولت النظرة، التطلع إلى المجهول، القادم من داخل ينوء بأحمال ورهائف، لم يلفت نظره إلا تولوز لوتريك، والأمريكى إدوارد هوبر، غير أن طلة أبيه، وذلك الصياد أيضاً هذا اليمنى فيها شىء مختلف، مغاير، لم يعرف له مرجعية ولا أصلاً فى كافة ما طالعه، ربما ما زال هذا عالقاً به لأنه لم يعثر على تفسير، ولم يهتدِ إلى مرجعية.
فى اليوم التالى، تقريباً فى الموعد عينه رآه، نفس الجلسة والنظرة، عندما حاذاه، ألقى السلام، غير أنه لم يتلق رداً، التفت إلى الوراء بعد أن تجاوزه لم يتغير وضعه، ربما كان أصم، ربما أوصاه أحد ألا يتبادل حواراً مع أحد خاصة المتحدثين بالعربية، ربما يستغرقه ما بداخله عما يدور خارجه فلا يرقب ولا يصغى، انشغل به رغم صعوبة الوقت بالنسبة له، الجراح لم يتخذ قراره بعد، لا يتحرك إلا عبر حيرة وتوجس يجتهد ألا يوصلهما إلى زوجته التى أصرت أن ترافقه رغم آثار العلاج الذى عانت منه شهوراً ولا تزال.
«ترى ما علة هذا اليمنى؟» أهو القلب أم السرطان أم شىء آخر لا يعرفه؟ عندما عاد بعد ظهر الثلاثاء من جلسة مع صاحبه، أصر الرجل أن يقضى معهما الوقت المتاح، صحبهما إلى الفندق، غداً صباحاً يستيقظان فى الرابعة فجراً، أخيراً تحدد الوقت، الجراحة غداً.
فى نفس المكان يجلس، لكنه ليس بمفرده، حوله ثلاثة فى سن الشباب، يتحدثون العربية بتلك اللهجة الغريبة، يتحاورون فيما بينهم، اثنان يجلسان إلى مقعدين، ثالثهما يقعد فوق الأرض، يبدون مرحين، يتبادلون الابتسامات والدعابات، بينما يجلس هو متطلعاً فى نفس الوضع، متوجهاً بعين الطلة إلى اللامرئى.
لم ينزل البرد بعد، نسمات هادئة تعبر الجميع، تركوا صالات الفندق الوثيرة المكيفة محاولين استحضار الخلاء الذى اعتادوا عليه.
أولاده أم أقاربه؟
بعد عودته إلى الفندق إثر الجراحة لم يره قط، ولم يجد من يسأله عنه، بقيت طلته، تطلعه عبر الذاكرة.
صالة
رغم البيوت المتجاورة، المتواجهة، فإن ثمة فراغاً غير مرئى، هِوْ لا أدرى مركزه بالضبط، طريق سريع، عريض، يبدأ قرب المستشفى، تستدير العربة لتنطلق فيه، ربما لأن امتداده ينخفض قليلاً، يبدو منطلقاً بلا حد، لا نهائيته تضفى على المكان كله سمة إضافية، مجموعة من المحال المتجاورة، حلاق، متخصص فى التحف القديمة، سوبر ماركت مدخله ضيق لكنه عميق، فسيح من الداخل، مكدس بالطعام واللوازم، شركة سياحة يبدو أنها متخصصة فى الكاريبى، مدخل المطعم لا يوحى بمساحته وأقسامه، بعضها لم ندركه رغم ترددنا عليه عدة مرات منذ أن اقترحه علينا الدكتور فوزى اسطفانوس، أصحابه من أيرلندا، أطباقه خاصة، متميزة، بعضها لا يوجد إلا هنا، هذا اللحم المشوى بين طبقتين من الملح، مناضد فى المدخل، ما يشبه الشرفة الفسيحة، بعد عبور الباب البنى الغامق، من خشب الماهوجنى، يؤدى إلى سلم حلزونى، على الجدار صور مرسومة لفنان واحد، نفس الأسلوب، تحت كل منها شريط معدنى، معظمهم صحفيون وكتاب رأى ونقاد سينما ومسرح، ولدوا وعاشوا ودفنوا فى كليفلاند، لم أتوقف كثيراً عندهم رغم أن ذلك أدهشنى، جئنا إليه خمس مرات، قبل إجراء الجراحة مرتين، بعدها ثلاثاً، إنما أتمهل عند الأخيرة، قبل سفرنا إلى نيويورك بيومين، جئناه فى توقيت لا يمكن اعتباره غداء أو عشاء، الخامسة بعد الظهر فى هذا التوقيت يبدأ الاستعداد للعشاء، لم أتناول شيئاً منذ فطورى الصباحى الاضطرارى، الضرورى لابتلاع أقراص الدواء المتعددة، قصدنا صالة جانبية مكسوة بالخشب، نفس اللون الغامق، المعتق، ست مناضد، ربما خمس، إحداها وضع عليها لافتة «محجوزة»، أشارت السيدة التى تقدمتنا إلى منضدة قريبة منها، مواجهة لها، قعدت فى مواجهة ماجدة، هدوء عميق، المكان منخفض عن مستوى الشارع، لا أفضل المطاعم الخالية، أميل إلى تفحص الآخرين، ملاحظتهم، استنتاج الصلات بينهم، غير أن اختلاف الموعد، وتعاملى مع الطعام على أنه ضرورة، جئت بحكم العادة، لا بد من تناول غذاء ما، الصالة مغلفة بالخشب الغامق، نفس درجة اللون، عين العتاقة، رغم أن الشارع يبدو فى مستوى أقل ارتفاعاً فإنه بعيد، كأن العربات فى مدينة أخرى، أو اصطباغ المرئيات بسمت غير واقعى، قبل أن تدخل السيدة التى ستدون ما نرغبه ظهر الزبائن الآخرون، دخلوا فى طابور منتظم، أربع سيدات، أربعة رجال، أعمارهم متقاربة، ما بين السبعين والثمانين، لا يصحبهم أحفاد أو أبناء، أزياء السيدات حمراء وزرقاء منقوشة بدوائر بيضاء، يحف بالياقات قماش الدانتلا كأنهن ممثلات من مسرحية تنتمى إلى القرون الوسطى، أما الرجال فتبدو حركاتهم متوازية، يمدون الأيدى فى وقت واحد، يلتفتون فجأة إلى اليمين واليسار، يتطلعون إلى بعضهم، يتحدثون من أطراف شفاههم، ثمة بهجة ما فى حضورهم، يصفقون فجأة ولكن فى صمت، تطلعت إلى ماجدة، أومأت بدون نطق كأنها تقول: أعرف ما يدور فى دماغك كثيراً ما تبادلنا الملاحظات فى التجمعات، اللقاءات، الحفلات، وأحياناً تلفت نظرى إلى ما تتصور أنه يهمنى أو يعنينى بدرجة ما.
طلبت سلاطة خضراء، وشريحة لحم مشوية، توقفت عن طلب الأسماك هنا، من عرف طرق طهيه فى الإسكندرية وبورسعيد والسويس لن يقربه فى أى جهة أخرى، استعدت الحاج فرج فى سوق الطباخين، إذا ما قدر لى العودة سأقصده فوراً، أطلق اسمه على المكان، توفى العام الماضى فجأة، الآن يعمل ابنه بمفرده أستحضره هنا بينما أحاول التنبؤ بما كانت عليه مسيرة كل من هؤلاء الثمانية، ماذا فعلوا.. ماذا أتموا؟
السيدة التى تجلس فى مواجهتى تبسمت، بادلتها المودة غير أننى انتبهت إلى ضرورة الحد من التحديق، أبدأ مضغ السلاطة باحثاً عن لحظة مناسبة لابتلاعها، أتفهم الآن معنى ما يقال فى سائر اللغات قبل الشروع: شهية طيبة، لا رغبة عندى.
ألمح ما يخيل إليّ أنه عابر للممر الذى تفتح عليه الصالة، قادم من أعلى إلى حيث لا أدرى، انتبهت إلى اقتراب السيدة المبتسمة لنا، تحمل آلة تصوير صغيرة، تسأل عن الإمكانية فأومئ إليها، متى فارقت المنضدة؟ لماذا ترغب فى التقاط صورة لاثنين من الأغراب لا تلتقى بهما مرة أخرى، لم أطلعها على اسمى وعنوانى، كذلك ماجدة، ربما رغبة فى تسجيل من قدر لهما حضور هذه المناسبة التى لا أعرفها، ربما لفت نظرها شىء ما فى حضورنا، عادت إلى مكانها بعد انحنائها شاكرة، وتكرر التصفيق الصامت، جاءت السيدة النادلة بكعكة مستديرة، صغيرة الحجم، وضعتها فى مركز المنضدة الدائرية، بدا واضحاً أنهم يتأهبون لذروة الحفل بعد تناول الغذاء.
ألمح اثنين، لم أعد أشك فى وجود مكان آخر، هذه الصالة ليست نهاية المكان، فى المرتين السابقتين جلسنا فوق، فى الهواء الطلق، إنما أردت معرفة ما يحتوى عليه المطعم، استكشاف المكان، ثمة أسباب غامضة، لا يمكننى تفسيرها، ربما تجليد الجدران بالخشب الغامق، يستدعى إلى ذاكرتى مكتبات عرفت بعضها ولم أقف بعد على الأخرى، ألفت المكان رغم سمت الحزن الشفيف الذى يوحى به، ربما لذلك عدت إليه، لا أعرف بالضبط، تتداخل الأشياء عند الحدود، عند مناطق التماهى، أعرف أننى عند أى لحظة ربما أبلغ الأسباب، يستوى الأمران، قبل إجراء الجراحة وبعدها، كنت أتجنب الدخول فى التفاصيل عند خروجى بصحبتها، يكفى ما مرت به وما تعانيه، زلزلت حياتنا زلزالاً شديداً ما زلنا نتعثر بآثاره.
رغم أننى لم أر اللحظة التى بدأ فيها التصفيق، لم أصغ إليه، إلا أننى التفت، يتأهبون لقطع التورتة صغيرة الحجم، نقف بعد تمامنا، أنحنى للسيدة التى التقطت لنا الصورة، تبتسم ماجدة فى اتجاهها، تبادلنا المودة، نخرج إلى الممر، أحدق إلى الصور، حيوات كاملة، صخبت قدراً من الزمان، وها هى العيون تحدق من العدم.
ألمح أقنعة أفريقية، أخرى مكسيكية، القناع بديل للوجود المؤقت، استنساخ للملامح العابرة حتى لا تولى، تقف ماجدة قرب المدخل، أقول إننى سألقى نظرة على ما يوجد تحت، المبنى يثير فضولى، تقول إن ماجى بمفردها فى الفندق.
أشير بأصبعى، فقط دقيقتان، أمضى إلى آخر الممر، سلم لا يمكن التنبؤ به للمداخل من أعلى، حلزونى، ياه.. كل هذه القاعة؟ كيف لم نشعر بها فى جلوسنا، مناضد مستديرة على مدى البصر، بل إننى لم أستطع تحديد نهايتها، ربما لتثاقل الظلال وتكاثف الضوء الغامق، الكل جالس، يتجه إلى منصة نصف دائرية، فرقة موسيقية ملابس أفرادها زرقاء وحمراء، عليها دوائر بيضاء، آلات لم أعرفها من قبل، غريبة الشكل، لا وترية ولا هوائية، الكل يحدق فى ثبات صوبهم لكن، ما من أصوات، ما من نغمات.
يتقدم منى أحد العاملين، يرتدى نفس طراز الملابس التى رأيت الرجال الأربعة بها، الجاكيت الطويل، الصديرى تحته، البنطلون الذى ينزل فى مستوى واحد، يشير بيده أن أتقدم، أهز رأسى، ولأن صوتى لم يصدر عنى، ربما خاصية ما فى المكان، حاولت تفسير الأمر له، إنما جئت للفرجة، للمعاينة، لكى أنبئ ماجدة وابنتى وابنى هناك بما عاينته، إلا أن الرجل يهز رأسه، يحيط ذراعى بقبضة قوية، يشير إلى ضرورة الجلوس، الدخول هنا يعنى البقاء، الوقوف ممنوع، أحاول التراجع غير أننى كلما بذلت، تقدمت إلى عمق القاعة، بينما الموسيقى القصية تتردد إلى داخلى كلما خطوت باتجاه المناضد التى يجلس إليها رجال ونساء وصغار يتطلعون إلى المنصة ويرتدون تلك الملابس التى يحفها الدانتيل الأبيض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.