هل جربت أن تقف فى طابور انتظار طويل، على أمل الحصول على «دواء» آثاره الجانبية أكثر قسوة من الداء نفسه؟ أن تكون مجرد «رقم» فى كشوف طلبات العلاج على نفقة الدولة، أو مجرد اسم فى خانة المرضى بالتهاب الكبد المزمن (فيروس c)؟ أن تحتمل الألم فى صبر، وتجرى وراء الأمل أينما كان، حتى لو اكتشفت فى نهاية الطريق أنه سراب، اسمه «العلاج بالأعشاب» أو بقرص «النحل»، وأنه مجرد عملية نصب تتم برعاية طبيب مشهور أو تُمارس علناً فى محلات العطارة؟!. إنها تجربة مريرة، أن تمرض ولو، بالتهاب رئوى، فى بلد كمصر ليس فقيراً فحسب، بل إن مستوى الخدمات الصحية فى مصر متدنٍ، بشهادة وزير الصحة نفسه الدكتور «عادل العدوى». «فيروس c» هو أشرس عدو يفترس أكباد المصريين، وبحسب إحصائية منظمة الصحة العالمية الأخيرة، فإن نسبة انتشار الفيروس فى مصر بلغت 22%، أى ما يعادل 15 مليون مواطن، تخيل 15 مليون مواطن ينتظرون العقار الأمريكى الجديد «سوفالدى»!. «سوفالدى» يحقق نسب شفاء تتراوح بين 90 -95%، كما أنه ينجح فى علاج الحالات التى لم تستجب للعلاج التقليدى «الأنترفيرون والريبافيرين»، وليس له نفس الآثار الجانبية التى يعانيها المريض.. ومخترعه يهودى مصرى الجنسية يقيم فى الولاياتالمتحدة، ويدعى «ريموند شينازى». حتى الأسبوع الماضى كنت أتابع رحلة صديق عزيز للحصول على الدواء من منبعه، صديقى قام بزراعة كبد قبل عدة أعوام ثم هاجمه الفيروس مجدداً بضراوة، فلا حالته الصحية تسمح بتعاطى «الإنترفيرون» ولا حالته المادية تسمح بتحمل تكلفة العلاج (حوالى 67 ألف جنيه للعلبة الواحدة).. ولا وضعه الصحى يحتمل التأخير فى التداوى بالعقار الجديد. لم أكن أثق فى نجاح مفاوضات وزارة الصحة لاستيراد العقار بحوالى 1% من سعره، ولم يكن لدينا أمل فى استيراد الدواء بسعره المفزع، حتى عرض رجل الأعمال المهندس «صلاح دياب» مؤسس جريدة «المصرى اليوم» أن يتحمل نفقات العلاج. كان المهندس «دياب» حريصاً على سرعة إنهاء الإجراءات، وسعى للحصول على التقارير الطبية بنفسه، من الأستاذ الدكتور «محمود المتينى»، وحول المبلغ المطلوب للحصول على ثلاث علب «سوفالدى»، إنه يدرك قيمة الحياة، كما أن صديقى إنسان استثنائى عز أن يتكرر. المفارقة الغريبة أن الدواء وصل القاهرة صباح الخميس، وأعلن وزير الصحة أن اللجنة الاستشارية العليا وضعت مجموعة قواعد مقترحة لاختيار المرضى، منها: (أن يكون العلاج فى الفترة الأولى مقصوراً على المرضى المصابين بالتليف الكبدى فى المرحلتين الثالثة والرابعة، بدون قصور فى وظائف الكبد، وأن تكون السن من 18 سنة إلى 70 عاماً، كما يتم تقييم المريض بعينة كبدية أو بفحص فيبروسكان وتحليل فيب 4 بالدم لتقييم درجة التليف الكبدى.. إلخ). وأنا أضع حالة صديقى بين يديه، وأسأل: ألا يجب أن تتصدر مثل هذه الحالات المرضى الذين سيحصلون على عقار «سوفالدى»؟!. خاصة أن تسجيل المرضى -بالمراكز التابعة لمحافظاتهم- سيبدأ منتصف سبتمبر المقبل، على أن يبدأ صرف العلاج للمرضى بعد استكمال ملفاتهم منتصف أكتوبر المقبل.. ولن يتم توفيره فى الصيدليات إلا بعد 6 أشهر من طرحه فى مراكز الكبد. هنالك حالات لا تحتمل طوابير الانتظار الطويلة، وملفها الطبى يكاد ينطق ذعراً من المصير المتوقع، إنها تحتاج لفرق إنقاذ سريع ولا يجوز أن تخضع للروتين الممل.. مع كامل احترامى لخشية الحكومة من تهريب الدواء أو قواعد اللجنة الاستشارية العليا!. حين يقف الإنسان فى مفترق طرق، على عتبة الوداع الأخير، يصبح الاستثناء تأشيرة عودة للحياة.. وأنا أنتظر هذه التأشيرة من الأستاذ الدكتور «عادل العدوى».