سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محطات على طريق الصراع بين «القلم» و«العمامة» رحلة من الصراع بين رجل الدين والمبدع بدأت بخلاف غير معلن.. وتطورت إلى اتهامات مباشرة بالكفر والإلحاد.. ووصلت إلى إهدار الدم ومحاولات القتل
وقائع كثيرة حفلت بها الساحة منذ عشرات العقود، كان لها أثرها الذى يأبى النسيان، خصوصا من جهة المبدعين، وقف فى تلك الوقائع رجال الدين فى وجه رجال الإبداع، ونشبت بين المعسكرين خلافات ومعارك حادة، بدءا من الرفض غير المعلن، وصولا إلى مراحل المواجهة بالتكفير والإخراج من الملة، بل وإهدار الدماء والقتل، كما فى وقائع كثيرة كان أهمها وأكثرها تأثيرا حادثة نجيب محفوظ بعد كتابته روايته الأشهر والأكثر إثارة للجدل «أولاد حارتنا»، وكما فى أغنية عبدالوهاب «من غير ليه»، وإحدى قصائد أمل دنقل، وعلى الرغم من أن البعض قد رمى مؤخرا إلى أن صفحة الصراع بين الفريقين آن لها أن تُطوى، وأن الإبداع ما هو إلا أحد روافد الدين الذى يرمى إلى تهذيب النفوس، فإن احتلال التيارات الإسلامية للمشهد السياسى المصرى قد بدد آمال انتهاء الصراع المحتدم، وأعطى إشارة للمبدعين أن يأخذوا حذرهم، بينما أعطى للإسلاميين إشارة معاودة الهجوم، وفيما يلى تستعرض «الوطن»، أهم المحطات على طريق الصراع بين صاحب القلم وصاحب العمامة.. أمل دنقل.. أمير شعراء الرفض ملحداً هوجم أمل دنقل كثيرا واعتبره البعض ملحدا؛ بسبب قصيدتين، أولاهما قصيدته الشهيرة «كلمات سبارتاكوس الأخيرة»، وجاء فيها: المجد للشيطان معبود الرياح من قال لا فى وجه من قالوا نعم من علم الإنسان تمزيق العدم من قال لا، فلم يمت وظل روحا أبدية الألم أما الثانية فكانت بعنوان «لا تصالح»، وهى قصيدة دنقل الأشهر؛ حيث جاء فيها: خصومة قلبى مع الله.. ليس سواه أبى أخذ الملك سيفا لسيف، فهل يؤخذ الملك منه اغتيالا.. وقد كللته يدا الله بالتاج؟! قوله «المجد للشيطان» فى الأولى، و«خصومة قلبى مع الله» فى الثانية، قد فجر ضد أمير شعراء الرفض والتمرد عاصفة من الانتقادات والاتهامات بالكفر والإلحاد، وقد نفت عبلة الروينى، زوجة الشاعر الراحل، ما ألصقته الكاتبة صافى ناز كاظم به، فيما يتعلق بإلحاده أو كونه «لا دينيا»، قدمت الروينى دوافع كثيرة كان أهمها أن دنقل دائما ما كان يفتخر بخلفيته الثقافية العربية الواسعة، التى ظهرت بوضوح فى مفردات قصائده ومعانيها وجمالياتها المتأثرة بالقرآن الكريم، وهى نفسها التى مكنته من استدعاء الموروث العربى القرآنى فى قصائد بديعة له مثل «مقابلة خاصة مع ابن نوح»؛ حيث عقد مقارنة أبدع فى حياكة تفاصيلها لابن نوح الذى رفض ركوب السفينة، حبا فى الوطن وفى البقاء إلى جانبه حتى رغم الطوفان، كما يعد نطقه للشهادتين قبل دخوله غرفة العمليات دليلا واضحا على أنه لم يكن ملحدا، أما فى قصديته الأولى، فأكد البعض أن الشيطان هو «سبارتاكوس»، العبد الذى امتشق السيف فى وجه قيصر روما، حيث لم يكن يقصد الشيطان (إبليس). عبدالوهاب.. «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» ولعل أكثر ما يؤكد أن الصراع بين الإسلاميين والمبدعين ليس جديدا، وإنما كان قائما من ذى قبل، التفاصيل المتعلقة بإحدى أغنيات الفنان الأكبر، محمد عبدالوهاب، التى حملت اسم «من غير ليه»، الأغنية التى تضمنت مقاطع «جايين الدنيا ما نعرف ليه/ ولا رايحين فين ولا عايزين إيه/ مشاوير مرسومة لخطاوينا/ نمشيها فى غربة ليالينا/ يوم تفرحنا ويوم تجرحنا/ واحنا ولا احنا عارفين ليه». القصيدة التى منع الموت عبدالحليم حافظ من غنائها، عام 1977، والأغنية التى ظلت حبيسة أدراج عبدالوهاب لعشر سنوات، فضل ملحنها عبدالوهاب أن يظفر بها؛ حيث ظهرت للنور عام 1989، وبعدها فجرت الأغنية ضجة كبيرة، وحظيت بإعجاب الجميع. علم عبدالوهاب، بينما كان يقضى إجازته بباريس، أن أحد المحررين بإحدى الصحف الأسبوعية قد رفع ضده دعوى يتهمه فيها بالكفر والإلحاد، لأنها تتعارض مع «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون»؛ مستندا فى ذلك على رأى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، التى كان يترأسها آنذاك الدكتور عبدالله المشد، الذى اعتبر فى فتواه أن الأغنية بها إساءة للدين وأنها تدخل فى دائرة الشرك بالله، كما طلب من المسئولين فى الدولة أن يستتيبوا عبدالوهاب، بعدها أفتى الشيخ صلاح أبوإسماعيل لأحد المحامين الشباب أن الأغنية مخالفة للدين، وبعدها أكد الأمر الداعية الشهير عبدالحميد كشك، لكن المحكمة رفضت الدعوى فى حكم تاريخى، بررت فيه عدم إلحاد عبدالوهاب لنشأته الدينية القويمة، وحفظه للقرآن الكريم. «وليمة حيدر لأعشاب البحر» تنفجر فى وجه إبراهيم أصلان وليمة لأعشاب البحر، اسم رواية للكاتب السورى حيدر حيدر، وعلى الرغم من أنها صدرت عام 1983، فإن إعادة طبعها فى مصر عام 2000، أى بعد 17 سنة، منعها الأزهر، بدعوى أن أبطالها جاء على ألسنتهم ما يتضمن إساءة للدين الإسلامى، لكن الروائى الراحل إبراهيم أصلان وقف مع نشرها وناصر حرية الإبداع، وتم التحقيق معه بسببها، لكنه ظل على نفس رأيه، وقتما كان رئيسا لتحرير سلسلة «آفاق عربية». ألف ليلة.. حفاظاً على المجتمع كانت دعوى مصادرة «ألف ليلة وليلة»، العمل الأدبى الأكبر، أنها تتضمن مشاهد تخدش الحياء، وألفاظا خارجة، إحدى حلقات دائرة الصراع بين العمامة والقلم؛ حيث رأى كثيرون من التيارات السلفية والإسلامية، بشكل عام، ضرورة منعها ومصادرتها حفاظا على المجتمع وعلى أخلاقياته، وحماية له من الانحلال، وقتها وقف المبدعون مدافعين عن العمل الأدبى الأكبر، الذى يعد موسوعة أدبية لحكايات شديدة الإبداع، كثيرة التفاصيل المثيرة، وبارعة الحياكة والنسج والخيال، وقد انتصر القضاء للمبدعين فى تلك الواقعة قبل سنوات. «إبداع».. إغلاق مجلة بسبب قصيدة الرب ليس عسكرى مرور إن هو إلا طائر وعلى كل واحد منا تجهيز العنق لماذا تعتبين عليه رفرفته فوق الرؤوس؟ هل تريدين منه أن يمشى بعصاه فى شارع زكريا أحمد ينظم السير ويعذب المرسيدس؟ «من شرفة ليلى مراد»، القصيدة التى انفجرت فى وجه كاتبها الراحل الشاعر حلمى سالم؛ حيث اتهم البعض سالم بسبه وتعرضه للذات الإلهية، وقتها طالبت مائة شخصية مصرية دينية باستتابة الرجل، كما طالب مجمع البحوث الإسلامية بالأمر نفسه قبلهم، بدافع أنها تحمل «إلحادا وزندقة»، مما أثار سخط المبدعين والمثقفين، لكن الشاعر خرج ليؤكد أنه لم يذنب لكى يتوب، وإنما قصد بقصيدته انتقاد المتواكلين فقط، كما تعدى الأمر إلى سحب الترخيص من مجلة «إبداع» التى نشرت القصيدة، والتى تصدر عن الهيئة العامة للكتاب، وكان يترأس تحريرها الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى، وذلك بحكم قضائى من المحكمة الإدارية العليا فى يونيو عام 2009، على الرغم من نشر القصيدة قبل ذلك التاريخ بعامين، كما كانت القصيدة منشورة من قبل بأحد دواوين الشاعر. «أولاد حارتنا».. أديب «نوبل» كافراً نُشرت «أولاد حارتنا» مسلسلة فى جريدة الأهرام، كان وقتها محمد حسنين هيكل يترأس تحرير الصحيفة، ولم تكن من عاداته حظر نشر أى رواية؛ لذا فقد قرر نشرها مسلسلة، دون الالتفات لهجوم الكثير من شيوخ الأزهر عليها؛ حتى لا يسجل سابقة فى حظر الإبداع بسبب وجهات نظر دينية لا تمت للنقد الأدبى بصلة، لكن نجيب محفوظ نفسه هو الذى قرر عدم نشر الرواية فى كتاب؛ لأنه كان يحترم «الأزهر» وكان هدفه أن ينتج إبداعا، بدلا من الدخول فى مواجهات ومعارك أو يسهم فى جرح شعور الناس؛ حيث اعتبرها البعض تحوى ذماً فى الذات الإلهية، ونبوءة بقتل العلم للإله، بالإضافة إلى التعرض للأنبياء، وهى الرواية التى تعرض «محفوظ» إثرها لمحاولة اغتيال هزت العالم، قام بها أحد الشباب المنتمين للجماعة الإسلامية، ولم تكن إعادة نشر الرواية فى 2006 بالأمر السهل؛ حيث لعب محمد سلماوى دور الوسيط بين محفوظ والناشر إبراهيم المعلم، صاحب دار الشروق، حتى يقنع «المعلم» نجيب محفوظ بنشر الرواية، اصطحبه سلماوى برفقة واحد من أكبر الباحثين الإسلاميين، وهو الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، الذى عدد ل«محفوظ» محاسن روايته، كما أكد له أنه كباحث إسلامى لا يرى فى الرواية أى مساس بالعقيدة الإسلامية، فطلب محفوظ من أبوالمجد كتابة رأيه فى مقال، يوضع كمقدمة للرواية، وهو ما حدث بالفعل، إضافة إلى كلمة للمفكر الإسلامى الدكتور محمد سليم العوا، على الغلاف الخلفى للرواية.