هاتفه يرن، فيرد سريعاً، يجد أن المُتصل أحد زبائنه، الذى يريد الذهاب إلى الإسكندرية الآن، يفتح باب سيارته، ويلقى بجسده البدين داخل كابينة سيارته «الزيرو»، بينما رنات هاتفه لا تنقطع، فإحدى شركات الإنتاج تطلب منه الحضور من أجل تمثيل أحد الأدوار السينمائية فى فيلم «ليلة البيبى دول»، فيتذكر أن «محل الفضة» الذى يمتلكه سيكون خالياً من العمال، ولا يوجد سواه لإدارته. على الطريق الصحراوى يعمل عقله كما يعمل محرك سيارته بالضبط، يحاول تنظيم وقته حتى يستطيع إنجاز ما كُلف به، يترك ذلك كله جانباً ويخطر فى باله أنه لا بد أن يعود من المدينة الساحلية فى نفس اليوم حتى يتسنى له اللحاق ب«ماتش الكورة» مع زملائه السائقين فهو من عُشاق الساحرة المستديرة، وما إن ينتهى من يومه، يذهب إلى بيته مُحملا بمُتطلبات منزله، يرى ابنته الصغيرة «نغم» صاحبة الست سنوات، ترتمى فى أحضان والدها «سامح» فينسى هموم اليوم الطويل. ممثل.. لاعب كرة قدم.. صانع خواتم فضة.. سائق ميكروباص.. هو سامح مهران؛ رجل فى منتصف الثلاثينات من عمره، يدعوه زملاؤه ب«الساحر» لأنه يستطيع فعل كل الأشياء فى وقت واحد، هذا علاوة على أنه متعدد المواهب.. عندما كان فى المرحلة الثانوية، لم تكن أحلامه خيالية: «كان نفسى ربنا يكرمنى بوظيفة كويسة وأعرف أعيش».. يقولها خريج كلية السياحة والفنادق، الذى كان وقت دراسته الجامعية لاعباً لكرة القدم فى نادى النيل، أحد نوادى الدرجة الثانية: «كنت بالعب راس حربة.. مهاجم يعنى.. كانت أمنية حياتى إنى أطلع لعيب كورة.. وكان بيلعب معايا أحمد السيد مدافع النادى الأهلى دلوقتى». علاقة «سامح» بالفضة لا تقتصر على أنه مالك لمحل يصنع هذه المشغولات، ولكنه يهوى تلك المهنة التى توارثها عن والده وجدّه: «الفضة دى سُنّة عن الرسول.. وبيقولوا إن اللى بيلبس الخواتم الفضة ربنا بيحميه من الحسد»، ويتذكر «الهاوى» بينما هو قابع داخل محله بمنطقة إمبابة، دخل عليه أحد المواطنين قادماً من المنصورة، كان يطلب صنع خاتم فضة مُرصع بحجر عقيق مكتوب عليه «كلام عفاريت» بحجة أنه يعانى من ضيق تنفس وحتى يتمكن من النوم بهدوء. فى نفس المحل بدأت علاقة «سامح» مع التمثيل: «جاتلى زبونة كانت بتشترى من عندى حاجات قالتلى تمثّل؟.. قلتلها ماشى، واتفقنا إنى أروح معاها مكتب إنتاج فى المهندسين.. هناك عملولى اختبار كاميرا، وبعدها بأسبوع اتصلوا بىّ».. ربما لا تسطيع أن تميزه بين الممثلين فأدواره كانت كلمح البصر: «أول فيلم أعمله كان ليلة البيبى دول.. كنت عامل دور الظابط اللى واقف جنب محمود حميدة.. أول مرة أشوف ممثلين بجد.. وكنت خايف أغلط فحد يكلمنى بطريقة مش كويسة»، توالت الأدوار على «سامح» حيث تقمص دور قسيس فى فيلم «حسن ومرقص» مع الفنان عادل إمام، وهو الضابط الذى كان يجرى وراء أحمد السقا فى فيلم «إبراهيم الأبيض». سيارة صغيرة «7 راكب» هى كل ما يملكه «سامح» فى الحياة: «جبتها بالتقسيط دفعت اللى اقدر عليه والباقى ربنا يكرمنى وأسدده، ودلوقتى ييجى واحد أمين شرطة يقولى مينفعش تشتغل عليها لأنها لازم تكون مترخصة على الخط اللى ماشية عليه، طب ابطّل الشغلانة وأسرق وأبلطج على الناس»، يرى الرجل الثلاثينى أن الدنيا ظلمته كثيراً: «اتمرمطت عشان أجيب القرش، شغال 100 حاجة فى وقت واحد وكل ده عشان أعرف أعيش.. كل اللى نفسى فيه إنى أربى بنتى ومحرمهاش من أى حاجة اتحرمت أنا منها فى حياتى».