أكيد ولكن فيما يخص المسؤول الأوحد عن العيد، فالأمر فيه شك كبير.. فما أن يبدأ رمضان وينتهي وأنا في سباق مستمر مع الزمن وفي كل يوم تكون لي معه مغامرات ومشاطرات ومؤامرات ومحاورات لا تنقطع ومهاترات. وينتهي كل هذا وبطبيعة حال أي متسابق فإنه يلتقط أنفاسه ليستريح لبعض الوقت من بعد السباق ولكن في حالتي أنا بالتحديد أبدأ سباق من نوع جديد، مراسمه تستمر وتتوغل من قبل العيد بأيام طويلة ولفترة نقاهة لا بأس بها من بعد العيد، لأجدني في دوامة لا تتوقف ولا تنقطع "ودوخيني يا لمونة". وعلى الكل أن يتخيل حالتي الصحية والعصبية وأنا أسمع من أطراف متشاكسة وأعمل بجد واجتهاد وضمير من طرف واحد لا ثانٍ له هو طرفي أنا العبدة الفقيرة إلى الله: "فستان العيد مش عاجبني يا ماما.. عملتي الكحك يا هانم.. جهزتي المايوه والعوامات.. هنخرج نروح فين مش عايزين مكان مش ولابد زي بتاع السنة اللي فاتت.. هنزور عمتي وخالتي عشان ميزعلوش.. ماما قالت أول يوم العيد مش عايزة دوشة هناخد معانا أيه وإحنا رايحين.. جهزتي شنطة العيال.. هنفطر أيه يا حبيبتي.. متنسيش إننا ف عيد الفطر.. فطر يعني فطار ومش عايز أعذار.. بطني بتوجعني.. أعمل أيه وأكل نص كيلو كحك لوحده وبيتشكي.. أيه اللي أنت لابساه دا الألوان مش لايقة على بعضيها.. حكمتك يارب. "وما بين تحضير الحقائب وتجهيز الكعك والبسكويت وترتيب المنزل وشراء مستلزمات العيد من ملابس وأدوات سباحة وأغراض متنوعة للرحلات وتسالي وشاي وسكر وساندويتشات وعصائر وفطائر وحلويات ناهيكم عن علب الهدايا التي سنزور بها ماما وعمته وخالته وأخواته وعديات لكل أطفال العائلات ولا تحزن يا قلبي في كل المناسبات.. فأجدني في سباق أشد من سباق الماراثون ليصبح الخلل فيه جريمة لا تغتفر والخطأ غير مردود "والزعل ولويّ البوز للركب". وكالعادة أصبح وأنا الضحية دائما في قفص الاتهام "هو دا الفطار.. آخرة صبري خير.. فين علبة الحلويات بتاعة عمتي إحسان واضح إنك لسه شايلة منها.. جزمة حسين مش لايقة ع الطقم بتاعة.. هيخرج ف العيد بالشكل دا.. الفستان بتاع ديدي مبهرج قوي دي مش موضة السنادي.. شنطة السفر جاهزة مش عايز نروح هناك نلاقي حضرتك ناسية المايوهات زي كل مرة.. ماما هتزعل لو مخرجتش النهارده.. جهزتي الأكل اللي هناخده ف الطريق.. عمتي بتدفع عيديات محترمة ولازم نرد لأحفادها ع الأقل.. أوعي تكوني نسيتي تبعتي الهدوم للمكوجي.. اتفقي مع أخواتي وبلغيني.. ياللا يا أحلااااام.. أنت دايما مأخرانا "ولأن لدي أذنين وعينين اثنتين فقط ويدين ممدودتين دائما بالخير ولا ثالث لهما وعقل سبحان من ثبته في هذه الرأس فمن العجيب أن أصبح دائما في العيد مقصرّة جدا ولست مقصرة فقط ومن الطبيعي وسط هذه السلسلة التي لا تنقطع من الطلبات أن أجدني مشتتة.. منفعلة.. مذهولة.. مقهورة.. مغلوبة على أمري أحيانا.. متنمرّة في معظم الأحيان.. والآن وبعد الطلبات والعيديات والملبوسات والمأكولات والمشروبات والزيارات والمشاحنات والمطاحنات والنداءات التي لا تنقطع والاستغاثات أجدني أشبه بالمغشي عليها في آخر اليوم، وأكاد أكون "سطيحة" في الفراش وأنا أسمع بالكاد أصوات أولادي وهم يتناوشون ويقسّمون على أنفسهم العيديات ويتبادلون الاتهامات وربما اللكمات وزوجي يتنهّد باستياء من آن لآخر متساءلا بينه وبين نفسه عن سر غياب هذه الأم المدلله عن هذا المشهد الدامي والخلفية من وراءهم مستمرة لتعرض وبلا انقطاع في التلفاز صوت وصورة لأنشودة العيد التليد والتي تربينا عليها لسنوات وسنوات وهي تقول "العيد فرحة وأجمل فرحة يجمع شمل قريب وبعيد.. سعدنا بيها بيخليها ذكرى جميلة لبعد العيد" تستمر الأنشودة مترددة ويستمر معها أنين المعيدين.