طبلته تنقر أمام البيوت تنبِّه الأذهان، مرددًا كلمات مَن سبقوه: "الرجل تدب مطرح ما تحب"، يتغني بصنعته "مسحراتي في البلد جوَّال"، يبوح بمكنونه في حب وطنه "حبيت ودبيت كما العاشق ليالي طوال"، فتصبح غنوته ومواله، "وكل شبر وحتة من بلدي، حتة من كبدي، حتة من موال".. وتكون أغنية "المسحراتي" شاهدًا على ثنائية الحب والفن والإبداع، فتخرج مشاعر الأديب فؤاد حداد ليتغنى بها المطرب والملحن سيد مكاوي، ويرددها أجيال عايشتهم وأخرى عاشت على هوامش حبهما للوطن. التميمة الرمضانية، كُتبت أثناء فترة اعتقال مُخرجها الأول الشاعر فؤاد حداد عام 1964، فكان "المسحراتي" رمزًا لتنبيه الناس إلى ضرورة يقظتهم ومعرفة ما يدور حولهم وهم في سبات، طارقًا بقلمه على أوجاع الوطن العربي في خبايا شهر كريم قام على التجمع والتقارب فيذكرهم أنهم "عرب نغرب نشرق، يجمعنا شاعر وآه، لو حد بينّا يفرَّق، ما نستاهلش الحياة". لم يأخذ من معايرة أهله مسلكًا، فكانت كلماته، بصمة فنية، نافذة لأمجاد بلاد العزة يستدعي أبطالهم لاستنهاض همم الحاضرين: "وفي قلبي قطرة قطرة، دموع في الضحك أطرى، من العنب البناتي، على أسنان العزيزة، زى الخفاجة عامر، غنى وخفق وغامر، قلبي في ألف سامر، وألف غيط وجيزة". طلب "مكاوي" أن يغني حلقات "المسحراتي" التي يقدمها الشاعر فؤاد حداد بنفسه، دون فرقة موسيقية، مستعينًا بالطبلة الملازمة لصاحب هذه الشخصية، وبعد نجاحها المميز في الإذاعة، أسندت الإذاعة المصرية له العمل كاملًا، فقدّم تلميذ مدرستي "سيد درويش وزكريا أحمد" لحنًا متفردًا في التراث الموسيقي الشرقي. وأنتجت أفلام التليفزيون، أغنية المسحراتي ك"فيديو كليب" في الثمانينات، ظهر به الملحن والمطرب سيد مكاوي، مرتديًا زي المسحراتي، فخلق منها المخرج فتحي عبدالستار حالة أشبه بواقع المساجد المنيرة وهدوء الليل بشوارع القاهرة لتزيد من حالة الربط الوجداني وتلامس الأفكار.