أمام المرآة، وقف «سكر» يضبط باروكة الشعر المستعار على رأسه، يتفحص الوجه جيداً، الحواجب رفيعة، والشفاه مصبوغة باللون الأحمر، والجسد مزين بفستان على أحدث موضات خمسينات القرن الماضى، هو الآن أنثى كاملة التفاصيل، يكمل الشكل الخارجى بالحركات الحريمى، أو كما قال «مش بس اللبس حريمى، لكن الصوت حريمى، والمشية حريمى»، يفعل ذلك فقط سعياً وراء لقمة عيشه؛ إذ إنه يعمل ممثلاً فى إحدى الفرق المسرحية، لكنه كأى ممثل هاوٍ يعانى الإفلاس الدائم، ولا يجد أمامه سوى صديقه «نبيل» الذى يلجأ إليه كلما رغب فى اقتراض بعض النقود، يضيق به «نبيل» على الدوام هو وصديقه «فريد» الذى يسكن معه فى نفس الشقة الأنيقة، ويعمل معه فى مكتب الاستشارات الهندسية، غير أن معاملة الصديقين ل«سكر» تتغير فجأة؛ إذ يرحبان به على غير العادة، وقبل أن يتحول الأمر إلى لغز يعرف «سكر» لاحقاً أن الصديقين يرغبان فى استضافة فتاتين من بنات الجيران فى حفل يقيمانه على شرف عمة «فريد»، المليونيرة الحسناء «فتافيت السكر»، القادمة من البرازيل التى عاشت فيها حياتها مع زوجها تاجر لعب الأطفال، قبل أن يتوفى الزوج فتقرر العودة إلى مصر، ولأنها ترسل تليغرافاً لابن شقيقها تبلغه فيه بتأخر رحلتها، لا يصبح أمام الصديقين إلا الاستعانة ب«سكر» ليؤدى دور عمة «فريد» حتى تنتهى الحفلة، يفعلها «سكر»، لكنه يتورط فى سلسلة من المواقف الكوميدية، خاصة بعد أن يتدخل والد إحدى الفتاتين، وينتهى الأمر بظهور «فتافيت السكر» الحقيقية، وعودة كل شىء إلى أصله. كوميديا من نوع خاص أخرجها السيد بدير عام 1960 تحت عنوان «سكر هانم»، وأعد لها السيناريو والحوار أبوالسعود الإبيارى، مقتبساً موضوع الفيلم عن قصة «عمة تشارلى» للمؤلف الإنجليزى براندون توماس، دخل الفيلم المصرى تاريخ السينما الكوميدية من أوسع أبوابه، بجمله الحوارية الرشيقة، التى لا يزال الناس يحفظونها عن ظهر قلب: «ست؟ أنا مش شايف قدامى أيتها ست، ده أنا جنب منك أبقى مارلين مونرو». يقولها المعلم شاهين الزلط أو عبدالفتاح القصرى لسكر هانم أو عبدالمنعم إبراهيم متهكماً على «الحرمة الملخفنة» التى يراها أمامه، ترد عليه مستنكرة: «انت عميت؟ مش شايف القوام؟»، يباغتها: «هو الحقيقة قوام عايز له بردعة ولجام»، تنفعل: «شات آب، ده أنا واخدة الجايزة الأولى فى جمال السيقان»، لا يملك نفسه أن ينفجر: «يا ولية اختشى يا قَرَشانة.. ده الفرق بينى وبينك شنب». تتواصل الكوميديا اللفظية فى صورة إفيهات متبادلة بين الممثلين الكوميديين، قبل أن ينضم إليهما الكوميدى الشهير حسن فايق فتكتمل بذلك المعزوفة الكوميدية الرائعة، على خلفية تمثيل كل من كمال الشناوى وعمر الحريرى وسامية جمال وكريمان وزوزو ماضى. لم يكن عبدالمنعم إبراهيم، الممثل الكوميدى، هو أول من ارتدى الزى النسائى على شاشة السينما، فعلها من قبله الفنان الشهير على الكسار فى فيلمه «الساعة سبعة»، كما فعلها إسماعيل ياسين فى فيلمه الشهير «الآنسة حنفى»، وكذلك محمود شكوكو فى عدد كبير من الأفلام التى شارك بها، وهى حيلة كان الممثلون الكوميديون يلجأون إليها من أجل استثارة الضحكات؛ إذ ينشأ التناقض دائماً بين الطبيعة الخشنة للممثل الرجل، ومحاولته التظاهر بعكسها، وهو ما يفجر الضحكات، ويضفى على العمل الفنى روح المرح، بل ويلتصق فى ذاكرة الناس إلى الأبد.