أعرف مسبقاً أن هذا المقال لن يأتى على هوى البعض.. تلك الشريحة التى تحب أن تكتب لها ما تحب أن تسمعه هى وليس ما تعتقده أنت.. وتريد منك أن ترى العالم بعيونها هى ولا تطرح ما تراه أنت. حسناً جاءت لحظة الفطام عن الدولة.. جاءت لحظة مواجهة مسألة الدعم.. وتحول الأمر من النقاش والتلميح إلى التنفيذ المباشر والمباغت أيضاً.. لأن أكثر الناس جرأة فى تصوراته لم يكن يتوقع أن تأتى القرارات الحكومية الخاصة بتسعيرة الطاقة الجديدة خلال شهر رمضان.. والموضوع جد خطير رغم أنه سليم وأمر لا مفر منه للتعامل مع الحالة الاقتصادية المصرية المنهارة فهو الدواء المر كما يقول خبراء الاقتصاد.. وسجل التاريخ المصرى القريب نقاط مواجهة بين السلطة والشارع عندما تم المساس بالدعم، فالرئيس السادات لم يشفع له انتصاره فى حرب أكتوبر عند الشعب عندما قرر مواجهة العيوب الهيكلية فى اقتصاد مصر والتى ورثها عن الحقبة الناصرية واضطر للرجوع فى قراره.. ولعل درس الرئيس السادات كان حاضرا أمام الرئيس مبارك طيلة عقود ثلاثة من الحكم.. كان مجرد التلميح بمسألة الدعم خط أحمر وتمكن من تحقيق معادلة صعبة وهى الإبقاء على الدعم مع تحقيق معدلات نمو من المفارقة أنها وصلت لأعلى معدلاتها قبل عام من تركه للحكم. أما الآن، فالأمر يختلف عن حقبة ناصر أو السادات وكذلك مبارك.. الآن لا يملك الرئيس السيسى رفاهية الإبقاء على الدعم فى صورته التقليدية.. لأننا على أعتاب الإفلاس ونعيش على المساعدات وهو وضع لا يمكن له أن يستمر.. ولكن الاعتماد على شعبية الرئيس السيسى وحدها فى التعامل مع هذا الأمر هو بمثابة كسل حكومى ونتائجه تكون خارج أى توقعات.. فطالما اتخذت الدولة قرار المواجهة يجب أن تصاحبها سيطرة وقبضة حديدية من الحكومة فى السيطرة على الأسعار وهذه هى مهمتها.. قد نمر بفترة عدم اتزان فى الأسواق ولكن يجب ألا تطول، لأن إطالتها تعزز الغضب لدى مواطن استنفد صبره. الأهم من ذلك هو إعادة النظر فى فلسفة العلاقة بين المواطن والدولة بعد انتهاء صراخ الفطام.. وبداية تطبيق فعلى لمفهوم الشراكة بين الدولة والمواطن.. أى الضريبة مقابل الخدمة وليس الضريبة من باب ملء خزانة الدولة دون خدمات أو تقديم خدمات متواضعة وكذلك التوقف عن استهداف القلة المنتجة فى المجتمع وهم قطاع الأعمال الحرة أو الرأسمالية الوطنية المصرية لأنهم طوق النجاة للنهوض مرة أخرى بالاقتصاد المصرى.. علاقة شراكة جادة بين الدولة والمواطن كحال كافة الدول المتقدمة.. وبالتالى علينا أن نعيد منظومة الضرائب ومنظومة الأجور ومنظومة الجمارك ومثال ذلك أن من حق الدولة أن تبيع الطاقة بالسعر العالمى وفى المقابل من حق المواطن أن يحصل على السيارة أيضاً بالسعر العالمى.. ومن حق الدولة أن تقرر الضرائب المستحقة على كل مواطن وفق شريحته الاقتصادية وفى المقابل من حق المواطن أن يحصل على طريق ممهد للسير فيه ومستشفى يتلقى فيه العلاج ومدرسة لتعليم أولاده وقبل كل ذلك يعيش فى أمان. وعلى الدولة أن تعيد النظر فى الإنفاق الحكومى.. المواطن يدفع ضرائب لملايين الموظفين فى القطاع العام ولا أعتقد أن الخدمة فى المصالح الحكومية ترتقى إلى المستوى المطلوب من أبسط مصلحة حكومية وصولاً لأكبر سفارة لنا فى الخارج.. وكذلك المواطن يدفع ضرائب تنفق على العشرات من الإصدارات الصحفية القومية وهو فى غنى عنها ولكن الدولة تحتاجها وهذا ليس شأن المواطن، فيكفى الدولة أن تحتفظ بإصدار أو اثنين أو ثلاثة وتقوم بخصخصة المؤسسات الصحفية الأخرى التى لا تدر إلا خسائر اقتصادية يعلمها كل من هو فى الوسط الصحفى.. ملخص القول: إن الدولة طالما قررت المواجهة وهو أمر كان يجب عليها أن تفعله، فإن هذا الفطام يجب أن يكون كلياً وليس جزئياً.. والرسالة الأهم للشعب المصرى علينا أن نفى بوعدنا للرئيس السيسى عندما طالبناه بالتقدم للترشح إلى منصب الرئيس وأن نصمد لحين عبور هذه الأزمة ونحن قادرون على عبورها.