مشهد خلاب اجتمعت فيه عبقرية المكان والزمان معاً، فرسمت لوحة فنية بديعة بطلها مزارع خضراء، يحدها نهر النيل والبحر الأبيض المتوسط، وبحيرة المنزلة تقع على حدود مدينة رأس البر السياحية، إنها قرية «السنانية» التى أطلق عليها قرية «المليون نخلة» التى اشتهرت بالزراعة منذ القدم، ومعاناة ما يتجاوز 100 ألف مزارع دمياطى ما زالت مستمرة، متمثلة فى نقص كمية مياه الرى ونقص الأسمدة وكذلك انعدام التسويق. المأساة، كما يراها مسعد هاشم، ابن قرية السنانية، هى أن المزارع البسيط هو من يدفع ثمن الأخطاء الفادحة التى ارتكبها غيره من أصحاب المصالح ورؤوس الأموال، فتحولت حياة الفلاح إلى جحيم. وترجمها رأفت حسن سعد، قائلاً: «لو ولادى فكروا يبقوا فلاحين لن أقبل؛ فيكفى ما رأيته فى حياتى من معاناة وألم، أنا عايش ميت، جسد يتحرك هنا وهناك، فقدت الأمل فى الغد، فكل يوم كسابقه لا جديد». مؤكداً أنه «خلال العام الجارى لم نتمكن من زراعة الأرز، بسبب عدم وجود مياه للرى، ومش عارفين نعيش». الرجل الثلاثينى أن تتبدل أحوالهم للأفضل فى عهد الرئيس الجديد. وفيما يتعلق بأزمة الأسمدة، يؤكد أحمد عطية أبوعيد أن «التجار يستغلون حاجة المزارعين ويرفعون الأسعار، ويقع المزارعون ضحية السوق السوداء للأسمدة، خاصة فى ظل نقصها بمديريات الزراعة». كان للنخيل نصيب لا بأس به من سلسلة المعاناة، بعدما تحولت الطرق الرئيسية بالقرية إلى مقبرة جماعية للنخيل، الأمر الذى أرجعه «أبوعيد» لإصابته ب«سوس النخيل» منذ سنوات دون حل، ودون تحرك الجهات المختصة، ما يهدد نخيل السنانية التى عُرفت ببلد المليون نخلة. حسب محمد عوض حمادة، ابن عزبة البط، الذى قال: «مفيش عندنا قنال نصرف فيه الصرف الزراعى، من سنين طويلة بنضطر نخرجه بقنال العنانية الذى يعد مدخلاً ومخرجاً مهماً للصرف، كما أن مشروع الصرف اللى طالبنا به تحول لأحواش سمكية غير مرخصة؛ حيث تتسبب المياه المالحة فى موت الزرع، ما أدى لحرق محصول الأرز وموته». ويسترجع أسعد فرحات، مهندس زراعى اليوم الذى توجه فيه عدد من الفلاحين والمهندسين الزراعيين للدكتور هشام قنديل لبحث مشكلة انخفاض منسوب مياه الرى، فرفض لقاءهم. ويؤكد «فرحات»: «لا يوجد صرف زراعى رغم مطالبة فلاحى عزبة البط منذ ما يزيد على 50 عاماً بحفر مصرف زراعى، علاوة على انخفاض منسوب مياه الرى من 45 سم إلى 90 سم فى عهد المعزول، ما أدى لخفض المحصول الناتج بنسبة 35٪».