على شاطئ النهر الذى طالما كان نقطة البداية لرحلات أخذت من العمر أجمله، جلس ابن قرية البرج محمد أبوعماشة، مستنداً إلى إحدى الدعامات الحديدية التى رفع عليها مركب كبير للصيد، يستعد لشق أولى رحلاته عبر النهر وصولاً إلى البحر المتوسط، إنه الحاج «محمد» الذى قضى 70 عاماً من عمره بين بحر ونهر، يواجه الأمواج والعواصف والنوات الشديدة، التى كثيراً ما هددت حياة الصيادين. لم يكن هواء النيل مجرد نسمات تريح صدر الصياد العجوز، بل ذكريات عصفت بذاكرته كلما أطال السكون، يعيده صوت أحد أبنائه من أعلى المركب يسأله عن شىء ما فيجيبه ثم يعود إلى سكونه مرة أخرى، وقلبه يخفق فى انتظار أول مركب صيد يمتلكها بعد عناء سنوات من العمل على مراكب الغير يصفه بالمرار قائلاً: «إحنا اتخلقنا لقينا نفسنا صيادين فى البحر، أبويا -الله يرحمه- وكل اخواتى صيادين، ونعرف البحر ونقعد فيه أكتر ما بنقعد فى بيتنا، وكنا عارفين نعيش، لكن دلوقتى البحر كله مرار، والصياد غلبان لو قعد أسبوع فى البر مابيلاقيش ياكل. يخشى «محمد» على أولاده ال4 الذين أورثهم الصيد ومخاطره قائلاً: «إحنا بنطلع شايلين روحنا على كفنا، ممكن مانرجعش بيوتنا تانى، واللى بيموت غلبان محدش يعرف عنه حاجة وبيروح لحاله، لأنه حيالله صياد غلبان فى بلد الصيادين فيها فئة غير معترف بيهم ومش واخدين حقهم». يواصل الرجل السبعينى: «على الدولة أن تولى اهتماماً بالصياد، وتعامله معاملة أكثر آدمية وتوفر لهم الشباك وأدوات الصيد بأسعار مناسبة، أو تحكم قبضتها على التجار الجشعين الذين يستغلون الصيادين، إلى جانب إعادة النظر فى رخص مركب الصيد»، موجهاً رسالة للرئيس «السيسى»: «عاوزك تريح الناس وتحسسهم بقيمتهم وتكلم الكبار مايشدوش على الصيادين الغلابة». وقال أسامة عبدالنور: «الصياد صبور إذا كان مفيش سمك ومفيش جاز، لكن مايقدرش يتحمل يكون مهمش من حرس الحدود، ولا بنقدر نستحمل المعاملة على أننا ملناش قيمة مع إننا بنكافح عشان نطلع الدكتور والمهندس، وبنطلع عرض البحر وعارفين إن ممكن مانرجعش، لكن يكفى إننا بنعمل حاجة عشان نربى ولادنا بالحلال، ونحقق أمن غذائى لبلدنا، مش طالبين غير إن الدولة تبص للعامل وتحترم كرامته».