الحياة اختيارات.. عبارة تلح على رأسى دوماً كلما توقفت لاسترجاع بعض الأيام أو المواقف التى تمر فى أجندة العمر. نادراً ما أندم على فعل أو قول أو موقف تبنيته. لا عن كبر فى مراجعة الذات -على العكس فالتأنيب اليومى مستمر لها- ولكن عن قناعة بأن ما فعلت أو قلت كان مرده الإيمان بمبدأ أو قيمة حتى لو جنيت الخسارة على المستوى الشخصى بفقد مال أو مكان أو مكانة لدى أحد. فأدركت من حكم الحياة أنها زائلة لا محالة فى لحظة غير معلومة وغير مبررة، فقررت أن أكون دوماً على أهبة الاستعداد لها. وأن أمتلك يوم الوقوف بين يدى الله مبررات صادقة لما قمت به فى حياتى دون اشتراط لصحة ما فعلت. مدركة عمق الحديث النبوى الشريف الذى أراه عمود الدين «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى». آمنت بهذا فكانت عينى دوماً على لحظة النهاية لا على اللحظة الآنية، على محطة النزول لا محطات الصعود. فعشت أطبق مقولة الشاعر جبران خليل جبران التى تجمع خلاصة الحياة حين يقول: «لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء. لا تقرأ لأنصاف الموهوبين. ولا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت. لا تختر نصف حل، ولا تقف فى منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل. إذا صمت فاصمت حتى النهاية. وإذا تكلمت فتكلم حتى النهاية. لا تصمت كى تتكلم، ولا تتكلم كى تصمت. إذا رضيت فعبر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا. وإذا رفضت فعبر عن رفضك لأن نصف الرفض قبول. نصف شربة لن تروى ظمأك. ونصف وجبة لن تشبع جوعك. نصف طريق لن يوصلك إلى أى مكان. ونصف فكرة لن تعطى لك نتيجة. النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز لأنك لست نصف إنسان أنت إنسان. وُجدت كى تعيش الحياة وليس كى تعيش نصف حياة». وهكذا أمنت بما آمن به جبران خليل جبران أن أعيش كل الشىء لا نصف الشىء. أؤمن بكل المبدأ لا نصف المبدأ. أقول ما يرضى كل الضمير لا ما يرضى نصف الضمير. أرفض كل الخوف لا نصف الخوف. أسير كل الطريق لا نصف الطريق. أحب بكل الصدق لا نصف الصدق. وأبتعد بكل إصرار لا بنصف إصرار، عن كل مزايد وصفيق وقليل الرباية. أهاجم بكل شراسة لا بنصف شراسة حينما أواجه خائناً أو عميلاً أو مجرماً. أنقد بكل القوة لا بنصف القوة حينما أسعى للتنبيه أو الإصلاح. تتساءلون الآن وهل خسرت؟ وكم خسرت؟ نعم خسرت الكثير من المال فلم أغتن به، ومن النفوذ فلم احتم به. ولكننى كسبت النفس كل النفس راضية بانتمائى لمقولة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام «ما فائدة أن تكسب الدنيا وتخسر نفسك؟»، ولهذا أنصح نفسى قبلكم: عيشوا الحياة كل الحياة بصدق وإخلاص وإيمان بما تفعلونه. لا تنتظروا عطاءً ولكن لا تتوقفوا عن العطاء. وضعوا عيونكم دوماً على محطة النزول فهى النهاية الأبدية ولما بعدها يكون العمل. لا تتحدثوا عن أنفسكم ولكن اجتهدوا لترك إنجازات تتحدث عنكم.