منذ قيام الثورة والمصريون يعلقون الكثير من الآمال على الرئيس القادم، ويرون أن كل ما يتطلبه الأمر لحل جميع المشاكل التى تعانى منها مصر، هو وجود رئيس وطنى نزيه لديه القدرة والإرادة على إحداث الإصلاح. ولا يستطيع أحد أن ينكر أهمية وجود الإرادة السياسية لإحداث الإصلاح، كشرط مبدئى لحل المشاكل الاقتصادية. ولكن ليس من المنطقى أيضا أن يتصور المصريون أن تلك المشاكل التى تفاقمت نتيجة عقود من السياسات الخاطئة يمكن حلها فى أيام قليلة، وهو ما يضع الرئيس القادم فى تحد صعب، فالمصريون -حديثو العهد بالديمقراطية- أصبحوا فى عجلة من أمرهم لجنى ثمار الثورة، وليس بمستبعد أن نجد قطاعات منهم تخرج للتظاهر مرة أخرى إذا لم تستشعر التغيير سريعا. وللخروج من عنق الزجاجة، لا بد أن يتوافر لدى الرئيس القادم رؤية واضحة ومتكاملة تتضمن خططا لمشروعات قومية كبيرة، من شأنها أن توحد عقول وقلوب المصريين حولها وتستنهض هممهم، على غرار ما حدث من قبل فى مشروع السد العالى فى خمسينات القرن الماضى، ومن ثم يستشعر المصريون أن هناك استراتيجية جادة وواضحة لتحقيق التنمية والنهوض بالبلاد، وبالتالى يتحولون لدعم الرئيس القادم فى خططه التنموية -حتى وإن كانت طويلة الأجل- بدلا من الثورة عليه مجددا. وفى هذا السياق، يعد مشروع «تطوير قناة السويس» أحد أهم المشروعات القومية الكبرى، التى تناولها غالبية مرشحى الرئاسة فى برامجهم، إذ أجمع المرشحون -تقريبا- على أنه لا بد من تطوير القناة لتحقيق الاستفادة القصوى منها، خاصة فى ظل التوقعات بزيادة حجم التجارة العالمية مستقبلا، ومن ثم زيادة السفن العابرة فى هذا الشريان الحيوى من شرايين النقل العالمى. يرى عمرو موسى أنه لا بد من تحويل القناة إلى مركز عالمى للخدمات اللوجستية، بما فى ذلك صناعة السفن وخدمات النقل والتخزين، بدلا من وضعها الحالى كممر مائى فحسب. أما الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فقد أعلن ضرورة تحويل قناة السويس من مجرد ممر ملاحى ومناطق صناعية وخدمية متفرقة، إلى مركز للإنتاج والتوزيع العالمى للتجارة العالمية. فى حين يرى الفريق أحمد شفيق أنه من الممكن تحويل قناة السويس لتكون أكبر منطقة حرة فى العالم. وأما حمدين صباحى فقد أكد أنه سيحول القناة من محطة لتحصيل رسوم السفن، إلى ميناء محورى فى الشمال والجنوب، فتكون هناك ترسانات لبناء السفن، ومحطات وقود، وفنادق ومطاعم على القناة. وقناة السويس هى أطول قناة ملاحية فى العالم بدون أهوسة، وأقصر طريق يربط بين الشرق والغرب، نتيجة لموقعها الفريد الذى يصل بين البحر المتوسط عند بورسعيد والبحر الأحمر عند السويس، بما يحقق توفير الوقت والمسافة، وبالتالى التوفير فى تكاليف تشغيل السفن العابرة لها. وتتعاظم أهمية القناة بقدر تنامى النقل البحرى والتجارة العالمية، حيث يعد النقل البحرى أرخص وسائل النقل فى العالم، ولذلك يُنقل ما يزيد عن 80% من حجم التجارة العالمية عبر القنوات البحرية، وتستقبل القناة نحو 8% منها. وتعتبر القناة بصورتها الحالية من أهم مصادر النقد الأجنبى لمصر، حيث بلغت إيراداتها فى العام المالى 2009/2010 نحو 4٫52 مليار دولار، وهو ما يشكل نحو 19٫2% من إجمالى إيرادات صادرات الخدمات المصرية. وعلى الرغم من تراجع أغلب الصادرات الخدمية المصرية عقب الثورة كالسياحة التى تراجعت نتيجة لحالة الانفلات الأمنى والعنف السياسى، واصلت إيرادات القناة ارتفاعها لتصل إلى حوالى 5٫52 مليار دولار فى العام المالى 2010/2011، أى بزيادة قدرها 11٫9%، وبالتالى ارتفع الوزن النسبى لإيرادات القناة بالنسبة لصافى إيرادات الصادرات الخدمية المصرية، ليصل إلى نحو 23٫1%، نتيجة تزايد إيرادات القناة مع تراجع إيرادات الصادرات الخدمية الأخرى. وحققت القناة إيرادات غير مسبوقة فى الربع الأول من 2011/2012، حيث وصلت إلى نحو 1٫36 مليار دولار، وهو ما يعنى أن القناة إذا استمرت فى تحقيق حصيلة مماثلة على مدى العام، فستكون حققت بذلك رقما قياسيا غير مسبوق فى تاريخ إيرادات هذا المجرى الملاحى. وعلى الرغم من أنه منذ افتتاح القناة تم تطويرها عدة مرات لزيادة طولها وعمقها ومساحتها، فإن إمكانيات التطوير بها ما زالت قائمة، من خلال زيادة الخدمات والصناعات التى يمكن أن تقوم القناة بتقديمها، وبالتالى زيادة الإيرادات، وخلق فرص عمل من شأنها الإسهام فى حل مشكلة البطالة فى مصر، حيث إن العمالة فى قناة السويس فى العام المالى 2007/2008 لم تتعد أكثر من 0٫8% من إجمالى العمالة المصرية. المصدر: البنك المركزى المصرى، النشرة الإحصائية الشهرية، مارس 2012.