بين موسمي الانتخابات الرئاسية التي أجريت عقب ثورة 25 يناير، كانت الشائعات حاضرة وبقوة، حيث تثار أخبار كاذبة حول المرشحين تحدث ضجة كبيرة، ويكون هدفها ضرب شعبية كل مرشح وتفتيت أصوات الناخبين من حوله، في صراع الثرثرة الدعائية المسيئة، واللافت للنظر أن الشائعة ليست صناعة مصرية، وإنما هي منتج عالمي رائج في كل البلدان، وممتد عبر الأزمان. "نعم أنا ديموقراطي"، الجواب الذي أسقط صاحبه، المفكر والفيلسوف أحمد لطفي السيد، والملقب ب"رائد الاستنارة"، ومرشح الانتخابات عام 1913 على مبادئ الديموقراطية، وصاحب شعار "مصر للمصريين"، فلم يجد منافسه سوى ترويج شائعة للقضاء عليه، مستغلًا جهل العامة وقتها، فقال لأهل الدائرة، إن "الديموقراطية تعني الكفر، وأنها تسمح للمرأة بالزواج من أربع كما تسمح للرجل، وأنه سمع لطفي السيد بأذنيه، وهو يفتخر بالديموقراطية، وطلب منهم أن يسألوه بأنفسهم"، وفي أحدى المؤتمرات الانتخابية، سأله أحد الأهالي "هل أنت ديموقراطي"، فأجاب "نعم"، فرسب الرجل بالانتخابات، ووقع في فخ الشائعات. 100 عام مرت على أشهر الشائعات السياسية، التي أطاحت ب"لطفي السيد" من الانتخابات، ليأتي عام 2012 مع أول انتخابات رئاسية تعددية بعد ثورة 25 يناير، ويكتظ الموسم السياسي بالشائعات، كان أبرزها "جنسيات المرشحين"، فقيل عن المرشح الرئاسي عبدالمنعم أبوالفتوح، إنه يحمل الجنسية القطرية، فيما قيل عن سليم العوا وقتها، إن والده سوري ولا يحق له الترشح، ولم يسلم مدير المخابرات الحربية الراحل عمر سليمان من الشائعات، فقيل إن زوجته تحمل الجنسية السورية. "الشائعات أنواع، فهناك الشائعة الإيجابية، والتي تهدف من وراءها حملة المرشح لصنع بطولات وإنجازات غير موجودة، وهناك الشائعة السلبية التي تهدف إلى تشويه صورة المرشح المنافس"، هكذا يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، مضيفًا: وأقرب مثال للدعاية الإيجابية، دعاية الإخوان في الانتخابات الرئاسية الماضية لمرشحهم محمد مرسي، وما يسمى بمشروع النهضة، أما عمرو موسى، فدبرت له شائعة سلبية، وهي الادعاء أن والدته هي الممثلة اليهودية "راقية إبراهيم"، وأنه تهرب من أداء الخدمة العسكرية، ونفت حملة موسى تلك الادعاءات، مؤكدة أن هدفها التشهير بسمعته، كما نشروا أسماء والديه، موضحين أن والدته مصرية وهي ثريا حسين الهرميل، كريمة حسين الهرميل، عضو مجلس النواب الأسبق عن إحدى دوائر محافظة الغربية، أما صباحي فقد نالته شائعة غريبة، صدقها بعض البسطاء والأميين، مفادها أنه مسيحي. صادق، يشير إلى أن الشائعة الانتخابية، أحد الأدوات المستخدمة في الحملات الانتخابية، لتشويه المنافسين بطريقة غير مباشرة، لأنها تنسب الشائعة لمصدر مجهول كنشطاء "الفيس بوك"، أو "فيديو مسرب"، حتى تهرب من الاتهام بترويج الأكاذيب، وهو ما أشار له عمرو موسى في انتخابات 2012، عندما اتهم أحد حملات المرشحين دون أن يسميها بأنها وراء شائعة انسحابه من الانتخابات الرئاسية، وهو ما أعلنه المرشح الرئاسي حمدين صباحي في انتخابات 2012 و2014، بأنه يتعرض لحرب شائعات، تتمثل فيما قيل عن تلقيه تمويل من نظامي صدام حسين في العراق والقذافي في ليبيا، أو أنه تلقى شيك من أحد رجال الأعمال لدعمه، وأنه مرشح الإخوان في الرئاسة، أو أن فيروس "سي" يمنعه من الترشح، كما مست الشائعات المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق عندما روج الإخوان أن المسيحيين يؤيدون شفيق، وكان رد شفيق في شائعة أخرى لم تثبت حقيقتها بعد، وهي أن "الإخوان هم من دبروا موقعة الجمل". يؤكد خبير الاجتماع السياسي، أن الشائعات مبنية على حقائق مقطوعة من السياق، فمثلًا: "يتم ترويج فيديو لحمدين صباحي، وهو يلتقي صدام حسين، ثم إطلاق شائعة تلقيه تمويل من نظامه، والزعم بأن الفيديو روجه نشطاء"، حسب قوله، وبذات الطريقة، ظهرت شائعة أخرى ضد أبوالفتوح، مفادها أنه على علاقة وثيقة بحركة طالبان الأفغانية، بالطبع لم تكن الإشاعة صحيحة رغم لجوء مروجيها لتأكيدها بصورة فوتوغرافية لأبوالفتوح في أفغانستان، واتضح بعد ذلك أن الصورة التقطت لأبوالفتوح في الثمانينات وقت الحرب ضد الاتحاد السوفيتي، عندما ذهب بمعونات غذائية على رأس وفد من نقابة الأطباء المصريين لدعم المجاهدين هناك". وعقب فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة 2014، نال المرشح عبدالفتاح السيسي، النصيب الأكبر من الشائعات التى روج أغلبها الإخوان، باعتباره "العدو والخصم" لهم، فمسوا حياته الشخصية بشكل مباشر، عندما ادعوا أن "زوجته قريبة سوزان مبارك، زوجة الرئيس الأسبق"، وأخرى تزعم أن "سوزان مبارك هي التي قامت بتزويج المشير حين كان ضابطًا صغيرًا من زوجته"، كما روجت الجماعة على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي لشائعة أن "زوجة السيسي هي شقيقة صاحب الباع الطويل في مجال الدعاية والإعلان، طارق نور، وأنها كانت تظهر في الإعلانات"، وظل تشويه السيسي مستمرًا بإصدار شائعة أنه "رسب في امتحانات الثانوية العامة"، وواجه السيسي، حملات التشويه ضده بعقلانية، متجاهل كل الشائعات". ويؤكد الدكتور سعيد صادق، أن الشائعات لا تؤثر في الناخب الذي اتخذ قراره بتأييد مرشح بعينه، خاصة أن كان يؤمن بهذا المرشح وأفكاره، مهما كانت قوة الشائعة، ولكنها تؤثر على الناخبين، الذين لم يتخذوا قرارهم بعد، بتأييد مرشح على حساب الآخر، فقد تؤثر فيه الشائعة وتجعله يغير رأيه في تأييد مرشح، ويذهب لآخر في أي وقت.