الثلاثاء المقبل ذكرى الاحتفال بمولد «السيدة زينب». وقد تم تقديم موعد الاحتفال هذا العام أسبوعاً كاملاً بسبب انتخابات الرئاسة. فى كل الأحوال لم يتوقف الاحتفال بمولد «السيدة» فى أى عام. والسيدة زينب بنت على بن أبى طالب وابنة فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم من أشهر الشخصيات المناضلة فى تاريخ الإسلام، كانت سيدة صلبة الشخصية سديدة الرأى تتمتع بصمود غير عادى فى مواجهة أهواء وأنواء الحياة. صاحبت أخاها الحسين بن على يوم «كربلاء»، ولملمت أشلاء وجراحات البيت النبوى بعد المذبحة الشهيرة التى تعرضوا لها فى أرض العراق حتى بلغت الشام حيث يحكم يزيد بن معاوية. كان الصراع مريراً على «مُلك» المسلمين، لكن بنى أمية كانوا أوعى وأشد ترخصاً من غيرهم فى التماس الوسائل التى تؤدى بهم إلى منصات الحكم! «تقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين»، هكذا قال «عبدالله بن عفيف» عاتباً على «ابن زياد» الذى اعتلى المنبر كى يبرر قتله الحسين الذى نازع بنى أمية «الملك». «الملك» تلك هى الكلمة التى تشكل مفتاح السر فى نظرة «بنى أمية» إلى أمر الصراع على الحكم منذ البداية. قفزت من قبل على لسان «أبوسفيان بن حرب» عندما شاهد النبى يدخل مكة فاتحاً وحوله آلاف المسلمين، حين قال للعباس بن عبدالمطلب: «لقد صار ملك ابن أخيك عظيماً»، فرد عليه العباس: «إنها النبوة». وبمقاييس الملك وحسابات السياسة يرى الكثير من المؤرخين والكتّاب أن الحسين قد أخطأ بخروجه لمجابهة يزيد بن معاوية، فى قلة من أشياعه وأنصاره، انسياقاً وراء حسابات غير دقيقة بأن أهل العراق ناصروه، وهى وجهة نظر لا تخلو من وجاهة، إذا كان «الحسين» قد فكر من هذا المنظور، لكن المسألة تبدو مختلفة جد الاختلاف، إذا راجعنا مشهد «الثورة الحسينية» جيداً والتى خرج صاحبها مدفوعاً بحسابات الدين، وليس السياسة، وبقيم النبوة، وليس الملك. سار ركب من بقى من أهل بيت النبى من نساء وصبية -بعد مذبحة كربلاء- حزيناً كسيراً، ووكّل بهم عمر بن سعد من يحرسهم ويرعاهم ثم أركبوهم على الرواحل فى الهوادج، فلما مروا بمكان المعركة ورأوا الحسين وأصحابه مطروحين هنالك بكته النساء وصرخن، وندبت «زينب» أخاها الحسين، وصل الركب الكوفة، ودخلت زينب ابنة فاطمة فى أرذل ثيابها وقد تنكرت -أى تغير شكلها- وحفّت بها إماؤها، فلما رآها عبيد الله بن زياد -كما يحكى ابن كثير- قال: «من هذه؟ فلم تكلمه، فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة، فقال: الحمد لله الذى فضحكم وقتلكم وكذّب أحدوثتكم، فقالت: بل الحمد لله الذى أكرمنا بمحمد وطهّرنا تطهيراً، لا كما تقول، وإنما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، قال: كيف رأيت صنع الله بأهل بيتكم؟ فقالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجونك إلى الله، فغضب ابن زياد واستشاط، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير إنما هى امرأة، وهل تؤاخذ المرأة بشىء من منطقها؟ إنها لا تؤاخذ بما تقول ولا تلام على خطل».. لا تعجب من الحوار.. إنه الذهب الذى يتلألأ فى أعين الأمراء!