كان الإنجاز الوحيد لمندوب مكتب الإرشاد فى قصر الاتحادية محمد مرسى هو القرار الذى أصدره بإلغاء العمل بالتوقيت الصيفى، لكى يخفف عنا كل عام نفس الأسئلة التى تنهال علينا حول أثر ذلك على صحة الإنسان من خلال تأثيره على الساعة البيولوجية الموجودة فى داخل جسمه، وسوف نشرح اليوم تفاصيل الساعة البيولوجية وتأثيرها على الصحة البدنية والنفسية للإنسان. وطبيعة خلق الإنسان ضبطها الخالق، عز وجل، على ساعة بيولوجية موجودة فى كل خلية من خلايا جسمنا لتنسجم بأمر ربها مع وظيفة هذا العضو وفائدته للإنسان بالنهار، والتى تختلف عن وظيفته وفائدته بالليل مصداقاً لقوله تعالى: «هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ» يونس 67، ولقوله أيضاً: «وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً»، فما حكاية هذه الساعة البيولوجية داخل جسم الإنسان؟ والإجابة أن مركز القيادة أو التحكم فى الساعة البيولوجية فى الجسم عبارة عن مجموعة من الخلايا فى غدة ما تحت المهاد أو الهيبوثلاموس فى المخ، ويسمى (Suprachiasmatic nucleus (SCN، وتوجد بداخل هذه الخلايا مجموعة من الجينات تعمل، ثم تتوقف عن العمل فى تناغم داخلى مع تعاقب الليل والنهار على مدى 24 ساعة، حتى فى عدم وجود ضوء النهار أو ظلمة الليل، فالخالق، عز وجل، برمج خلايا جسمنا الداخلية على هذه الدورة وإلا لما استطاع فاقدو البصر أن يناموا ويستريحوا فى نومهم على الإطلاق بعد فقد بصرهم، وفقد القدرة على رؤية الضوء الذى يمتص بواسطة شبكية العين بواسطة مستقبلات معينة إلى غدة ما تحت المهاد (SCN)، ثم إلى الغدة الصنوبرية الموجودة فى وسط المخ، التى تتحكم فى إفراز هرمون الميلاتونين، وقد أثبتت الأبحاث أن هرمون الميلاتونين يفرز ليلاً ويتوقف إفرازه نهاراً أو عند التعرض للضوء، وكلما توافق قمة إفراز الميلاتونين فى هذه الدورة بين الليل والنهار، التى تعرف بالدورة «السركادية»، استفاد الإنسان من نومه، وصار نومه هادئاً وجسمه مستريحاً. ولقد أثبتت أحدث الأبحاث التى نشرتها مجلة «ساينتيفيك أمريكان»، التى أجريت على ذبابة الفاكهة، والتى تحتوى على نفس جينات الساعة البيولوجية فى الفئران، وكذلك فى جسم الإنسان، تفاصيل العلاقة الجينية التى تؤثر على الدورة السركادية أثناء تعاقب الليل والنهار، وعلى جسم الإنسان وصحته بصفة عامة، ومعرفتنا بتفاصيل هذه الجينات التى تنتج بروتينات يمكنها أن تتحكم فى تنظيم الساعة البيولوجية، سوف يمكننا من الوصول إلى تصنيع أدوية يمكنها أن تؤدى نفس المهمة، التى يمكن من خلال ذلك أن توجد علاجات لكثير من الأمراض التى تنتج نتيجة لخلل فى أداء الساعة البيولوجية مثل الأرق، واضطراب النوم، والاكتئاب الموسمى، وغيرها من الأمراض التى تؤرق الإنسان. والساعة البيولوجية داخل جسم الإنسان مضبوطة على 24 ساعة، ويستتبع الدورة السركادية أو دورة الليل والنهار داخل أنسجة الجسم المختلفة، تغير فى درجة حرارة الجسم، وفى الهرمونات المختلفة التى تؤثر على وظائف الجسم الحيوية، لكى يكون النهار للجهد والمعاش والتعب، ويكون الليل من أجل الراحة والسكينة والنوم، فمثلاً هناك دورة لهرمون الكورتيزول الذى يفرز بواسطة الغدة الجاركلوية، وهو هرمون مهم للنشاط والحركة، وله تداخلات مهمة فى عملية التمثيل الغذائى داخل الجسم مع بقية الهرمونات الأخرى، وذلك له دخل بإفراز الأنسولين، واستهلاك السكر، وتوليد الطاقة داخل الجسم، وقد تبين من خلال الأبحاث أن هذا الهرمون يصل إلى أعلى معدل له بعد صلاة الفجر، ما بين السادسة والثامنة صباحاً، وينخفض هذا الهرمون أثناء الليل ليصل إلى أقل معدلاته بعد الساعة التاسعة مساءً، نأتى إلى هرمون آخر وهو هرمون النمو، فنجد أنه يزداد إفرازه أثناء الليل لكى يبنى خلايا الجسم المختلفة، وليستفيد الإنسان بما تناول من طعام لم يستنفد من خلال الطاقة التى يبذلها الإنسان أثناء نشاطه بالنهار، وبالتالى يعوض الجسم الخلايا المفقودة ويجدد نموها وحيويتها، خاصة عند الأطفال الذين يحتاجون إلى هرمون النمو بشدة، لكى تنمو أجسادهم ويصلوا إلى مرحلة الشباب، ويصل هذا الهرمون إلى أقصى معدلاته فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ولذلك نجد أن الطفل الذى يسهر الليل، ولا ينام إلا فى ساعة متأخرة وهو يشاهد التليفزيون، وهو معرض لكمية لا بأس بها من الضوء، يكون نموه بمعدل أقل من الطفل الذى تعوّد أن ينام مبكراً ويستيقظ مبكراً، حتى لو أكل الاثنان نفس كمية الأكل ونوعه، ثم نجد أن إفراز البوتاسيوم والكالسيوم يختلف بالنهار عنه فى الليل، فيزيد أثناء النهار ويقل أثناء الليل، لكى يتناسب مع عملية الإخراج التى تصاحب الأكل والشرب أثناء النهار والحركة، وهكذا تسير وظائف الجسم الحيوية فى توافق وتناغم مع الزمن الذى خلقه الله، وحدد لنا الوظيفة التى نقوم بها فيه، وحين يحدث خلل فى هذا التناغم، فإن اضطراباً هرمونياً يحدث داخل جسم الإنسان، ويعقبه اضطراب نفسى، وقلق، واكتئاب يصيب الإنسان، ولا يستطيع أن يكتشف له سبباً.