كيف ستكون علاقتك ب«السيسى» بعد أن أنهى علاقته بالجيش واختار السعى لمنصب الرئيس؟ وكيف ستكون علاقتك ب«حمدين» بعد أن قرر الانتقال من نضال الشوارع والميادين إلى قصر الرئاسة؟ إذا كانت عينك على الوطن ومستقبله حقاً، فأرجو ألا تقبل «السيسى» باعتباره مبعوث العناية الإلهية الذى طرد الإخوان من الحكم، ويحمل وحده مفاتيح الخروج من المأزق، والزعيم الحكيم القوى الذى يملك كلمة سر ستفتح لنا باب المستقبل على مصراعيه بأسرع وأسهل الطرق، وأنه من حقه شيك جماهيرى على بياض، يجعله زعيماً وحاكماً، وليس ذلك لأحد أو شىء سواه. وأرجو أيضاً ألا تقبل «حمدين» باعتباره المناضل النقى، الذى وقف أمام جور الحكام وذاق مرارة السجون منذ نعومة أظفاره، وتوَّج مسيرته النضالية بقيادة شريحة كبرى من الجماهير منذ 25 يناير حتى الآن، وجسّد أحلام وآلام ملايين البسطاء والفقراء والمحتاجين، ويحمل بين جوانحه حقوقاً ضائعة منذ عقود، واختارته «روح الثورة» بعنفوانها وطهرها وأحلامها ومستقبلها الزاهر، ليكون هو سكنها وملاذها ومنفذها الأعظم للعبور إلى أرض الواقع. فى المقابل، أرجو ألا ترفض «السيسى» باعتباره عنواناً لانقلاب، وعلامةً على صراع سلطة، أزاح فريقاً وأتى بآخر، أو مسئولاً عن الدماء التى تسيل فى الشوارع، والآهات التى تنطلق من السجون، أو سبباً فى عسكرة الدولة، أو طريقاً لوضع الجيش فوق أنف الجميع. وأرجو أيضاً ألا ترفض «حمدين» باعتباره مجرد ظاهرة صوتية مدعية قليلة الخبرة، يلتف حوله نفر على هذه الشاكلة، لا يربطهم بالواقع شىء، ولا يملكون سوى تهييج شريحة ضئيلة من الجماهير، ويحترفون المعارضة والحديث فى الإعلام، دون أن يحدث بينهم وبين فنون الإدارة أى تماس. ففى الحالتين أنت لم تقُم بواجبك تجاه وطنك؛ لأن هذه ليست مرحلة المهارة فى تغيير الفريق القابض على السلطة، وليست مرحلة الغوص فى محيط جماهيرى تلتهب أكفه بالتصفيق نتيجة مهارة الخطابة أو نقاء السريرة، بل مرحلة المهارة فى الإدارة والتخطيط، والقدرة على قيادة عملية تنموية على الأرض، فى ظل أوضاع بالغة القسوة والصعوبة، تتمثل فى تدنى مستويات الناتج المحلى الإجمالى، وارتفاع الدين الخارجى والداخلى لمستويات تخطت الحدود الآمنة، ووضع مالى بالغ الحرج جعل رصيد العديد من السلع الاستراتيجية والتموينية بالبلاد يقل عن ستة أشهر، وتراجع مريع فى النظام التعليمى يكاد يصل إلى حالة العشوائية واللانظام، وهبوط فى مستويات الرعاية الصحية والاجتماعية بصورة دفعت أكثر من ثلاثين مليوناً إلى خط الفقر نحن إذن فى مرحلة المدير الكفء لا القائد الذى يغيِّر بالضربة القاضية، أو الزعيم الذى يخطب فى الشوارع فتلتهب الأكف، ومن ثمَّ هى مرحلة تحتاج منك أن تدقق فى شخصيتى «السيسى» و«حمدين» وأفكارهما، وفى كل موقف يتخذه أى منهما، وكل كلمة يقولها، بحثاً عن النقاط التالية: 1- هل يملك رؤية تحمل من الجدية والسلامة ما يبعث الأمل فى جمع شتات الوطن الممزق نفسياً وسياسياً واقتصادياً، ويفتح الطريق نحو حالة من الرضا العام، ينبنى عليها هدوء حقيقى، يجعل البلاد جاهزة لاستقبال والتعامل مع عملية تنمية طويلة الأمد؟ 2- هل لديه مشروع أو خطة واقعية إبداعية محترمة، يرى أنها كفيلة للنهوض بالدولة من كبوتها والمجتمع من تدهوره، وتتوافر فيها عناصر «التحليل العلمى المحايد والواضح للوضع التنموى القائم بالبلاد، أهداف واقعية قابلة للتحقق والقياس والمتابعة». 3- هل لديه منهج يضمن توازناً حقيقياً فى العلاقة بينه كحاكم وبينك كمحكوم، سواء كنت من الإخوان أو فريق 30 يونيو، أو من السواد الأعظم للشعب؟ 4- هل تتوافر لديه مؤشرات جادة وحقيقية ودالة على أنه رجل يحترم ويتقيد بقيم العدل والنزاهة والكفاءة والشفافية، وغيرها من القيم التى تصنع حاكماً رشيداً؟ 5- هل سيترشح ويخوض الانتخابات وفق الإجراءات التى ينص عليها الدستور والقانون بكل دقة وعدالة وحياد؟ 6- هل سيأتى وفق انتخابات نزيهة تعكس إرادة غالبية المصريين؟ حينما تقوم بواجبك فى التقصى والفهم، وتجمع من البيانات والمعلومات ما يجعلك تصل إلى إجابات عن هذه النقاط بضمير مستريح ودون تعجل، يمكنك أن تحدد علاقتك ب«السيسى» و«حمدين» وتقول لأحدهما «نعم» وللآخر «لا»، أو ترفض الاثنين وتجلس فى بيتك مقاطعاً الانتخابات، أو تذهب وتبطل صوتك، ولا تنسَ للحظة أنك فى كل الأحوال شريك فيما يجرى، سواء أدى بنا ذلك إلى السقوط من الحافة التى نقف عليها، أو عاد بنا إلى الأرض الصلبة المستقرة التى يمكن البناء عليها.