توجه العراقيون، أمس، للتصويت على الانتخابات البرلمانية الأولى منذ الانسحاب الأمريكي، والتي تعد خطوة فارقة في تاريخهم، ويراهن الشعب العراقي على نتائج تلك الانتخابات، أملاً في التغيير والاستقرار ومحاربة الارهاب والطائفية والفساد الذي أهدر مليارات الدولارات التي يدرها النفط سنوياً، فيما يخشى الكثيرون من نتائج عكسية خاصة مع إمكانية بقاء الحال كما هو عليه حال فوز رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، بولاية ثالثة، رغم تراجع شعبيته، وإعتباره عنصراً أساسياً في تكريس الطائفية التي يعاني منها العراق منذ سنوات، فضلا عن إتهامه، من الداخل والخارج، بالولاء المطلق لإيران وتحويله العراق إلى جسر لعبور مشروع طهران في المنطقة. وخلال الاشهر الماضية، ارتفعت معدلات العنف والعمليات الارهابية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ الصراع الطائفي و"القتل على الهوية" الذي عاشته البلاد بين العامين 2006 و2008، ومع بدء الاستعدادات النهائية للانتخابات شهدت بعض المراكز الانتخابية عمليات تفجير، وتوقع المحللون زيارة وتيرة تلك الهجمات، فيما أكد آخرون عزم الشعب العراقي على إنجاح الانتخابات والمشاركة بفعالية، مستبعدين إمكانية تأثير تلك العمليات على حجم المشاركة. وتأمل القوى السنية في التغلب على وضعها السياسي المأزوم عبر المشاركة الكثيفة بهدف حصاد أكبر عدد ممكن من المقاعد التي تؤهلها للحصول على وضع سياسي أفضل بعد المعاناة لسنوات من التهميش والتضييق. وأكد الدكتور سلام الزوبعى، نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع السابق القيادى السنى البارز فى العراق، أن المنافسة في الانتخابات البرلمانية العراقية بين كتلتين رئيسيتين مهما اختلفت المسميات وهي بين كتلة سياسية جديدة راغبة في التغيير الشامل للعملية السياسية والدستور بهدف إنهاء الصراع السياسي الطاحن، وكتلة أخرى تريد بقاء الطائفية والفساد الذي تنتفع منه. وأوضح ان الصراع بين مشروعين أحدهما مشروع وطني يمثله "ائتلاف العراق" والتحالف المدني الديمقراطي في مقابل مشروع ديني سواء إخواني أو شيعي أو كردي أو سني. وشدد "الزوبعي" القيادي في "إئتلاف العراق" أن الإئتلاف يهدف القضاء على الطائفية التي يكرسها الدستور، ومد جسور الصلة مع المحيط العربي والخليجي، وبناء مشروع وطني جديد للعراق يتصدى لدعاة التقسيم والفتنة والطائفية والمنتفعين من الفساد. مشيراً إلى ان "الائتلاف" يهدف إلى تحقيق تغييرات دستورية تحافظ على وحدة العراق الذي أصبح بلد مكونات سياسية وطائفية تستهدف التقسيم وليس بلد مواطنة. وتابع: "الدستور الحالي مشوه وخاصة فيما يتعلق بقضية المحاصصة الطائفية، وكذلك قضية اللامركزية في الدستور جعلت النظام متفكك والحكومات المحلية أصبح لها صلاحيات واسعة وتقوم بالتنسيق مع الخارج بشكل يتعارض مع السيادة الوطنية"، ودعا القيادي السني إلى ضرورة إجراء استفتاء على تعديلات دستورية يقدمها البرلمان الجديد. وأستنكر تراجع دور العراق عربيا بعد أن كان له دور ريادي في المنطقة، قائلا: "العراق في شبه عزلة عن المحيط الاقليمي والعربي، ومختطف من إيران، والشعب العراقي أدرك أم الارتماء في احضان دولة معينة يضر بمصالحه والائتلاف يطرح بشكل اساسي ضرورة العودة للمحيط العربي والتأكيد على عروبة العراق فضلا عن إستئناف دوره العربي والاقليمي". وحول الوضع الطائفي في العراق، أكد "الزوبعي" أن الشعب العراقي يرفض الطائفية التي تدعمها جهات داخلية وإقليمية مستفيدة منها، واضاف: "الولاياتالمتحدة متمثلة في بول بريمر، الحاكم العسكري للعراق بعد الاحتلال، هي من زرع الطائفية فى العراق الذي اصبح منقسم سياسيا إلى ثلاثة كيانات على أرض الواقع". واعتبر المحلل السياسي العراقي عبد الرضا الساعدي رئيس وكالة الرأي الدولية، أن الانتخابات البرلمانية العراقية ستشهد مشاركة كبيرة من جانب المواطنين؛ نتيجة الحشد الانتخابي الكبير الذي تقوده التكتلات السياسية. وتوقع "الساعدي" عدم حدوث تغيرات جذرية في نتائج الانتخابات العراقية، قائلا: "سيظل التحالف الوطني الشيعي هو المسيطر على عملية تشكيل الحكومة العراقية، ومن المقرر ان تظل نفس الوجوه ونفس الخريطة السياسية البرلمانية، ولكن ستتغير السياسات وبعض الوجوه في الوزارات الأساسية رغم بقاء نفس الكتل البرلمانية". وأكد "الساعدي" أنه من المنتظر بقاء نوري المالكي كرئيساً للوزراء لولاية ثالثة على التوالي، حيث تشير معظم التوقعات واستطلاعات الرأي إلى أن فرص فوزه بولاية ثالثة تصل إلى 80%. وفيما يتعلق بحجم مشاركة المرأة في الانتخابات، أكد أن المرأة سيكون لها وجود مهم وقوي في الانتخابات العراقية، خاصة ان القانون الانتخابي الجديد يتيح لها ذلك عبر تخصيص 3 مقاعد للرجل مقابل مقعد للمرأة في كل قائمة بما يعني ان فوز اي 3 مرشحين من قائمة ستحلق به أمرأة فائزة بمقعد في نفس القائمة، بمعنى أن فوز المرأة بعدد معقول من المقاعد يعد أمر شيه محسوم. وأكد المحلل السياسي العراقي أن مسألة العنف لن تؤثر بصورة كبيرة على الانتخابات لأن الظاهرة موجودة بالفعل في صورة هجمة شرسة تكفيرية ارهابية مدعومة من دول الجوار، لكن "القادة الامنيين أكدوا انهم سينفذون خطة محكمة للسيطرة الأمنية حيث سيكون هناك اسبوع كامل عطلة قبل الانتخابات وخلالها ستشهد تكثيف للوجود الأمني بشكل كبير". أكد عبد الكريم اللامي رئيس تحرير مجلة البيارق التيار الصدري لم ينسحب من الانتخابات انما "مقتدى الصدر" فقط هو من اعلن انسحابه من الحياة السياسية، ولكن انصار هذا التيار يرشحون أنفسهم ضمن الكتل الانتخابية والقوائم المختلفة، واضاف: "الصدريون تيار قوي ولديهم نواب ووزراء وجهات داعمة ومرجعيات اخرى ستكون جاهزة للاستحواذ على اصواتهم". وحول تأثير الصراع المسلح في الانبار على الانتخابات، أكد "اللامي" ل"الوطن" أن هذا الصراع "تقف خلفه جهات معروفة الدوافع والغايات وما حدث من صدام مسلح اعد له منذ سنوات بهدف انفصال مناطق بحجج واهية وخبيثة تقع ضمن الصراع الطائفي الذي تقوده دويلة مثل قطر بدعمها للعناصر الارهابية التي تقاتل تحت مظلة القاعدة". وأكد رئيس تحرير مجلة البيارق أن المشكلة الأمنية لا تشكل عقبة كبيرة امام ذهاب الناخبين، واضاف: "ستشاهد هذا الشعب يتوجه الى صناديق الانتخابات، ولقد اشرفنا على انتخابات في اجواء اقسى من هذا الوضع وسادوقتها القتل على الهوية ونجحت تلك الانتخابات، ونحن شعب لا نتخلى عن ما نريد ولن نقف خلال سنوات التفجير والمفخخات عن ممارسة حياتنا اليومية". واعتبر المحلل السياسي العراقي الدكتور هاشم الموسوي أن الصراع بين الكتل السياسية الكبيرة سيظل قائملاً كما ستبقى تلك الكتل هي المسيطرة على الحياة السياسية في العراق على الرغم من ظهور العديد من القوى السياسية والوجوه الجديدة، وتابع "المرشحون المخضرمون سيكون لهم الصدارة والوجود الجديدة لن تكون قادرة على تغيير أي شيء، حتى لو وصلت للبرلمان؛ لأن الأزمات السابقة تفاقمت ولا تستطيع الدورة البرلمانية المقبلة أن تغير الواقع أو تحل الأزمات المستعصية نتيجة عدم توافق الكتل السياسية على الحل". وأكد "الموسوي" أن الشعب العراقي ابتعد كثيراً عن الطائفية، ولكن القوى السياسية هي التي تكرس لطائفية سياسية لتحقق مصالحها وتحتمي خلف انتماءها الطائفي. وأستبعد المحلل السياسي العراقي إمكانية أن تكون هذه الانتخابات، التي تعد الأولى منذ الانسحاب الأمريكي، مقدمة لإستقرار العراق؛ نتيجة الأزمات المستعصية التي يعاني منها العراق.