كنت فتاة مدللة جميلة يدق بابها الخطّاب فترفض هذا وتُعرض عن ذاك، وتتمنّع تارة وتومئ برأسها تارات، حتى حدث المُراد من رب العباد، والتقيت عن طريق الأسرة بالرجل الذي حاز على الإعجاب، وتعجبت من نفسي كما تعجب الجميع، فقد رقّ له قلبي رغم ملامحه الغليظة ووجهه الغير مألوف، وكان يوم عُرسي حديث المدينة. كيف وافقت ست الحسن والجمال على هذا الأسمر الغليظ الشفتين، مجعّد الشعر، الخالي في نظرهم جميعًا، من أي ملمح من ملامح الجمال، ولم أكترث فقد كان رجلًا بمعنى الكلمة لديه رقة وحنان يتناقضان تمامًا مع ملامح وجهه الغليظة، وعشت معه أيامًا جميلًة أنجبت فيها ولدًا جاء نسخة طبق الأصل منه، ثم بنتًا وكانت أيضًا تشبهه تمامًا. ذكرني يوم ولادة البنت بيوم عرسي والكل يمصمص شفاهه ويبدي انزعاجه وحزنه وألمه على ما آل إليه مصير ابنتي "استنساخ، فولة وانقسمت نصين، يا عيني يا بنتي، وهتسرحيلها شعرها ازاي؟ كل دي شفايف، حظك كدا هنعمل ايه.. ودي هنجوزها ازاي بقى؟"، وتعليقات كثيرة تجاهلتها وأنا أضم ابنتي إلى صدري بحب شديد وحنان. ومرّت الأيام وكبر الولد كما كبرت البنت، ولكنني لم أحسب حساب ما ينتظرني من مصير، الولد كان لطيفًا هادئًا يتعلّق بي تعلقًا شديدًا، أما البنت فكانت عصبية المزاج إلى حدّ كبير، وكلّما كبرت كلّما لاحظت ازدياد عصبيتها وتعكّر مزاجها، وفهمت مع الأيام سبب هذا المزاج المتعكّر، ولم أسامح الناس أبدًا بما فيهم أمي على ما فعلوه في حياتي. كانت البنت تعي نظرات الشفقة في عينيهم وترى مصمصة الشفاة، وحركات العينين، وإشارات اليد، وبدأت تعقد مقارنة مستمرة بيني وبينها، وأصبحت بمرور الوقت أقع تحت الميكرسكوب، فإذا اشتريت فستانًا جديدًا تغضب، وإذا ضحكت على كلمة إطراء تزمجر، وإذا نظرت لنفسي دون قصد في المرآة، أشعر بنظراتها في ظهري تحرقني، وإذا دخلت معي مناسبة تنتهي الليلة بمعركة دموية، حتى كرهت الخروج بصحبتها لأي مكان، وكرهت هي الظهور معي أمام الناس. كنت أتودد إليها دائمًا، فأغرقتها بالهدايا والملابس والحلي، وكل ما يمكن أن يجعل من البوصة عروسة كما يقولون حتى أخذتها لخبيرة تجميل قبل فرح أخي بأيام، وما أن رأتها الخبيرة حتى قالت بغباء أو بتلقائية "دي مش ممكن تكون بنتك "، فقامت الدنيا ولم تقعد، وانتهى الأمر بأن أغلقت السيدة المسكينة صالونها لبقية اليوم، وها أنا أعالج الموقف بالحلم تارة، وبنفاذ الصبر تارة، وبالمداعبة والمحايلة تارات أخرى، وزوجي مشغول باجتماعاته وصفقاته وشركاته، ولا يلقي بالًا لهذه المهاترات، وأنا وحدي في قلب الحدث، وابنتي تقتلني بنظرات الاتهام، ولسان حالي يهتف بها كل يوم من أعماق القلب "بتحاسبيني على ايه يا بنتي.. على جيناتك الوراثية "، من أجل هذا وبسبب كلام الناس، ونظراتهم أصبحت امرأة مطحونة.