للوهلة الأولى ستتصورون أنه زوجي وابنته من امرأة أخرى، ولكنها في الواقع ابنتي التي حملت فيها تسعة أشهر وأحبها أكثر مما أحب نفسي، فهي ابنتي في كل الأحوال وزهرة حياتي الغالية، ولكنها في ساعات وجود أبيها تكون ابنته وابنته فقط، ولا أحد غيرهما على الإطلاق. في بداية زواجي، حملت منذ الأشهر الأولى وأنجبت ولدا كان كل شيء في حياتنا، وسرعان ما حملت مرة أخرى وتمنيتها بنتا، فأنا أحب البنات كثيرا، ولكنني فوجئت بزوجي يؤكّد رغبته في ولد آخر، وحدثت نفسي بأن زوجي ربما لا يحب البنات، وبالفعل كان ولدا ثانيا. مرّت الأيام بحلوها ومرّها، وأنا لا أفكر في الحمل والإنجاب من جديد، مكتفية بالولدين، ومرت سنوات أحسست بعدها بالرغبة في طفل جديد وبالفعل حملت وكانت ابنتي الجميلة، ودعوت لها كثيرا فخرجت كأجمل وأرقّ ما يكون، ورأيت زوجي في المستشفى كعاشق ولهان وهو يجلس على ركبتيه مراقبا الصغيرة، مداعبا أناملها الرقيقة متأملّا فيها تماما وكأنه مسحور. فرحت في البداية، ومرّت الأيام والصغيرة تستحوذ على كل تفكيره وعقله وكيانه، فلا يرى غيرها وساعدني هذا على الراحة والخلود للنوم، وتذكّرت سنوات العذاب والضنى مع الولدين وكيف كنت أسهر وحدي وأجوب البيت حاملة هذا ومعتنية بذاك. انقلب الوضع تماما، فكان زوجي يسهر الليالي بالصغيرة ويهدهدها ويداعبها، ويلتقط لها عشرات الصور ويشتري لها الملابس تماما كما لو كانت الملكة شجرة الدر أو الأميرة ديانا أوبدر البدور البيضاء، ولم يؤثّر هذا عليّ بالسلب في باديء الأمر، حتى كبرت "السنيورة" وازدادت بفضل الله جمالا، وبسبب زوجي ازدادت دلالا ورقة وإحساسا بالذات. رأيتني أمرّ معها بشيزوفرينيا عجيبة، فهي معتدلة هادئة لطيفة حنونة مطيعة نهارا، وما أن يحضر زوجي ويبدأ في سلسلة أسماء" الدلع" والألقاب السامية، من "أهلا بأميرة حياتي، مرحبا يا مليكة قلبي، روح الفوائد يا ظلمني، يا أرض اتهدي ما عليكي قدي، يا غزال"، حتى تنقلب الأجواء ويهلّ أمشير ب"زعابيبه"، فينقلب الملاك الوديع بقدرة قادر لفتاة مدللة، لا تشعر في الوجود إلا بنفسها ومن بعدها والدها المصون، أما أنا والولدين المسكينين فلا وجود لنا على الإطلاق. يجلس الثنائي لمشاهدة التلفاز مع ارتفاع الضحكات، أو متابعة أفلام الكرتون ليضحك زوجي معها كما لو كان أصغر منها، أو يلعبان ألعاب ثنائية حتى ولو بدماها "الباربي" لأقوم أنا بدور وصيفة الملكة، فأحضّرالطعام وأجهز التسالي وأرتب المنزل وأنظف المطبخ، وقد تناهت لمسامعي من الخارج أصوات الضحكات والقفشات والدعابات و"خد وهات". والآن أصبحت بمرور الأيام أعيش حالة الشيزوفرينيا المتكررة، في الصباح مع ابنتي اللطيفة الظريفة وفي المساء مع ضرتي السخيفة المخيفة، وحاولت لفت نظر زوجي مرارا إلى ضرورة الحد من هذه المعاملة الغير عادية، والتي تضرّ بالبنت وتحولها لمخلوق أناني لا يرى إلا نفسه، ولكنه كان يدافع عن موقفه دائما فيقول أنه "في الشدة شديد، وفي القوة قوي،" وطبعا لا حياة لمن تنادي، فيستمر السيناريو اليومي وأستمر أنا في حالة الشيزوفرينيا لأجد نفسي في المساء كالخادم المطيع والعجيب، أنها المرة الأولى التي أرى فيها "ست بتخدّم على ضرتها".