رغم كبر سنه فإنه ما زال يتحدى آلام ظهره المنحنى، نتيجة حمله للقطعة الخشبية الكبيرة على رأسه، المزينة بأرغفة الخبز الأبيض، منذ الصباح الباكر حتى نهاية اليوم. الحاج على حسن، سبعينى العمر، رغم سكنه فى مدينة السلام فإن عمله الذى يقتات منه يبدأ برحلة إلى الدرب الأحمر فى الثالثة فجراً، ليأخذ حصته من الخبز الأبيض ويبيعها فى ميدان السيدة عائشة. يعلل الرجل اختياره لميدان السيدة عائشة، قائلاً: «باجى الميدان عشان أبيع، المنطقة عندنا كلها مخابز وما بعرفش أبيع، وصحتى بقت على قدى». تجاعيد وجهه وتلعثمه فى الكلام وغيابه فى الرد وضعف ذاكرته، علامات كثيرة يعانيها، ورغم ذلك تجد إصراره على مزاولة مهنته، وتظل كل أمنياته أن يكسب قوت يومه حتى لا يمد يده لأحد، والعودة إلى منزله متغلباً على ذاكرته الضعيفة، مردداً: «عندى ولدين وبنت، والحمد لله جوّزتهم، وعمرى ما مديت إيدى لحد عشان يساعدنى، ربنا موجود، هنطلب من مين غيره؟ هو اللى ممشيها». يظل الحاج على طوال ساعات النهار فى الميدان حتى تنفد منه الكمية التى خرج بها من العيش: «ببيع الرغيف بربع جنيه، وبيطلع لى فى اليوم نسبة صاحب المخبز بيديهالى، مرة 15 ومرة 20، حسب ما ربنا بيريد». تنهد بابتسامة، قائلاً: ساعات كتير فيه ناس مش بتفهمنى عشان بتهته، كل اللى هنا شايلينى على راسهم من فوق وبيحبونى.. الثورة ما عملتلناش حاجة، فين حق الغلابة؟ أنا عاوز اللى يمسك البلد يتقى ربنا فينا». ويعانى الحاج على مشكلة أخرى، هى إصابة ابنه «هشام» بكهرباء زائدة فى المخ، حسب وصفه، تجعله يصر على عمله لتوفير علاجه الشهرى الذى يصل إلى 500 جنيه، يشير «على» إلى أحد زملائه، الذى يعمل خبازاً بالفرن الذى يعمل به، ويعانى مشكلة مشابهة: «كلنا والله هنا غلابة، حتى محمود زميلى ده ابنه فى عز شبابه، عنده دوالى ومحتاج عملية تكلفتها 1500 جنيه، ومش قادر يعملها». بمجرد أن انتهى على من حديثه، تصارع زملاؤه؛ حيث حاول كل منهم التقاط طرف الحديث ليحكى عن مشكلته، يقول على محمد، ويعمل «ملدن عيش»: «العيشة بقت غالية، إحنا حتى مش محصلين الفقرا، ولادى الاتنين وقفوا لغاية التعليم المتوسط، بنت بس اللى كملت تعليمها ومعاها سياحة وفنادق، إخواتها اللى ساعدونى على تعليمها». ويضيف: «كان نفسى كلهم يبقوا تعليم عالى، وما يشتغلوش صنايعية، علشان ما يشوفوش اللى شفته فى حياتى».