رحمة الله عليك يا أمير الشعراء شوقى بك حين قلت: قف للمعلم وفِّه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا والحمد لله أن المولى قد اختارك إلى جواره قبل أن تشاهد هذه المناظر المخجلة والمهينة التى أذهبت النوم عنى، وجعلتنى أترحم على المبادئ والأخلاق والتربية والتعليم فى بلد يحاول أن ينهض من كبوته، ويرسم لنفسه خريطة طريق من أجل مستقبل أفضل وعيشة أكرم. ولكن أى خريطة، وأى طريق، وأى مستقبل لتلاميذ تسب الدين لمعلميها، وتتطاول عليهم بالسباب بل وتضربهم، وأخيراً تقتلهم فى داخل حرم المدرسة؟ لقد شاهدت فى الأسبوع الماضى حلقة من برنامج «صبايا الخير» للإعلامية المجتهدة ريهام سعيد على قناة النهار جعلتنى أبكى على وفاة مدرس محترم يدعى الأستاذ سامى تم ضربه وإهانته على مرأى ومسمع من زملائه وتلاميذه بواسطة تلميذ بلطجى اعتاد على نفس الفعل بدرجات متفاوتة حتى صار السباب والتهديد لأساتذته شيئاً عادياً. وانتهى البرنامج ولم أستطع أن أنام؛ لأن ما حدث ليس حادثاً فردياً فى مدرسة بعيدة عن الرقابة، ولكنه حال كل مدارس مصر المجانية التابعة لوزارة التربية والتعليم، بل وحتى فى معظم المدارس الخاصة التى لا يوجد بها أى تربية أو حتى تعليم، وتساءلت: ما الذى حدث؟ لقد تربيت وتعلمت فى مدارس الوزارة أيام كانت هذه المدارس تخرج المتفوقين والأوائل، وكان للمدرس هيبة وشخصية لا تقلان عن هيبة وشخصية الوالد فى المنزل، ولكن أين الأهل والوالد فى المنزل؟ فليس هناك الآن هيبة لأحد خاصة بعدما اعتقد الكثيرون أن الثورة إنما هى حالة من التمرد المستمر على كل كبير أو صاحب مركز أو سلطة، وأن الحرية مرادف للتطاول وقلة الأدب. وانتقلت العدوى للجامعات فأصبحنا نرى الطالبات يعتدين على أستاذتهن ويجردنها من ملابسها، ويعتدين على العمداء ورؤساء الجامعات ويقذفن بأثاث مكاتبهن من الشبابيك. نعم، هناك مشاكل أثرت على المنظومة القيمية للمصريين ينبغى أن تكون على رأس أولويات من سيكون رئيساً لمصر، منها مشاكل اقتصادية وصعوبات تواجه الناس خلال مسيرة حياتهم المعيشية وتقف حائلاً أمام حاجاتهم الأساسية، كالفقر والبطالة وضعف الأجور وارتفاع أسعار السلع بصورة جنونية مع ثبات المرتبات وقلة الخدمات وزيادة التطلعات والطموح الاستهلاكى، فى الوقت الذى يعانى فيه المجتمع من صعوبة إشباع الحاجات الأساسية لأفراده. وصاحب ذلك إعلاء القيم المادية بشكل لافت مع تعاظم الرغبة فى البحث عن الربح السهل السريع بأقل مجهود، يضاف إلى ذلك اختلال توزيع الدخول واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء بشكل مستفز، وتعاظم ظاهرة الفساد الإدارى وانتشار الرشوة. وقد أفرزت تلك المشكلات الاقتصادية بالضرورة مشكلات اجتماعية، فتزايدت معدلات الجرائم، وممارسة الأفعال الخارجة على القانون والعرف، وانتشرت بين الناس ثقافة وأخلاقيات ولغة الزحام أو ثقافة الضغوط النفسية. ولعل من مظاهر الأزمة القيمية التى نعيشها -كما أشار بذلك تقرير مفصل صادر عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء- ومؤشراتها الثقافية ما نراه من سلوكيات هابطة تبحث عن الجنس مع ندرة الفن الراقى، وانتشار الأنواع الهابطة الرخيصة من الفن، وشيوع التفكير الخرافى، وانتشار ظاهرة اللاعقلانية فى التفكير والقضايا الدينية، والتدين السطحى الميكيافيللى الذى يهتم بالشكل فقط، والذى يمارسه الإخوان ومن يواليهم، ولكنه بعيد كل البعد عن جوهر الإسلام الأخلاقى فى التعامل والمعاملات، وتبنى كثير من القيم الغريبة المستوردة عبر الفضائيات وشبكة المعلومات، وترسيخ ثقافة العنف والتطرف والسخرية من الكثير من الرموز والمقدسات الدينية والاجتماعية. هذا بالإضافة إلى الإعلانات الفاسدة، وما تعرضه من ثقافات بديلة للقيم الأخلاقية الثابتة، ما ساهم فى إفساد مناخ التنشئة الأخلاقية والاجتماعية والثقافية بشكل عام. إذا كنا نريد ثورة حقيقية وليس زفة بلطجة وكسل وبحث عن «سبوبة»، فلنثُر على كل السلبيات التى بداخل كل منا، ولنبنِ دولتنا التى ننشدها ونتمناها على العلم والأخلاق والقيم والعمل، وإلا فقولوا على مصر السلام.