قضيت حياتي كلها في عمل متواصل، فأنا إما في خدمة أسرتي أو في برّ والديّ أو في مساعدة الأقارب والمعارف والجيران، ولم أكن في مشوار حياتي الطويل أشتكي أبدا من كل هذا، فهذه مهامي وظروفي وواجباتي وأعبائي ومتكفّلة بها تماما وأحمد الله على ذلك. لم أشتكي لزوجي يوما ولم أكلف أحدا برعاية أبنائي، ولم ألق بأعبائي الجسام على أي إنسان، ومرّت الأيام بين حلو ومرّ وأنا صابرة محتسبة مؤكدة لنفسي بأنه سيأتي اليوم الذي يكافئني فيه زوجي وأولادي، عن تعب السنين والحب والحنين ومواصلة الأنين دون آه أو لماذا أو تقطيبة جبين. وكبر الأولاد وأنهوا مراحل تعليمهم العالي بكل توفيق، وبدأت المراحل الأصعب بحث متواصل عن عمل ثم عن شريك حياة يصلح لهذا الزمان، وفي كل مرة كنت أبكي وحدي وأتألم وأسهر الليالي وأنا منتصبة الأقدام، داعية الحنّان المنّان بأن يجتازوا تلك السنوات العجاف، ومرت عليّ كل لحظة كأعوام طويلة حتى تمّ المراد من رب العباد وتزوّج الجميع بسلام. حدثّت نفسي بأنه ستأتي عليّ للمرة الأولى لحظات السكينة، نعم سأرتاح وأنام وأستعد كل جمعة لاستقبال أولادي وأزواجهم لأعدّ لهم مائدة عامرة نجتمع حولها بفرحة، فنتجاذب أطراف الحديث ثم نحتسي الشاي ونحن نتسامر ونروي ذكريات الطفولة وأيام الشباب ولكن حدث مالم أتوقعه بالكلية، واكتشفت أنها مجرّد أحلام وردية فقد انتقلت ابنتي لبيتي مع أول شهور الحمل ووجدت نفسي في حالة خدمة مستمرة، ألم وبكاء ودموع وآهات ثم لحقت بها ابنتي الثانية وتكرر السيناريو المأساوي، ولحق بهم أزواجهم في انتظار السفرة الممتدة كل يوم من طعام وشراب وحلوى وخلافة. ومرّت الأشهر الطويلة، وبدأت الولادات المتكررة وزوجي يغلق عليه باب غرفته، وأنا أسمع أحفادي يهتفون " تيتة.. تيتة" ولا ذكر أبدا لجدو، ونظرت حولي ذات يوم فرأيتني بملابس المطبخ مشعثة الشعر وقد خطّ الشيب رأسي، وأحفادي كالقرود يعدون هنا وهناك ليجذبون هذا المفروش ويدوسون تلك السجاجيد ويمزقون المقاعد ويحطمون الكريستالات، وبناتي يتجاذبن أطراف الحديث ببرود تام أما أزواجهن فيجلسون بانتظار وجبة العشاء الساخنة، ليدخل عليّ ابني بزوجته الجميلة فيبشرني بأنها حامل في شهرها الثالث، عندها نظرت إليه بذهول ونظرت حولي بفزع وكأنني في جبلاية القرود، وصرخت بقهر من أعماق قلبي قائلة "حامل.. يا دي المصيبة السودا، هو أنتوا ايه معندكوش إحساس ".