ألقت أطماع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وقراره بإرسال قوات تركية إلى ليبيا حجراً فى بحيرة السياسة الليبية الراكدة، وأحدثت نوعاً من الصحوة فى الشارع الليبى فتوحّد أحفاد المختار على مدار الأيام القليلة الماضية، ونحوا خلافاتهم القبلية والعشائرية جانباً وأصبح الجميع «إيد واحدة»، ضد أوهام «الأغا التركى» لتحقيق حلم الخلافة المزعوم وإعادة إحياء الدولة العثمانية المقبورة التى كان يطلق عليها الغرب «رجل أوروبا المريض». القبائل توحّدت واستعدت لحمل السلاح ضد "الغازى الجديد" قادة القبائل ونواب البرلمان الليبى ومواطنون ليبيون يعيشون على أرض مصر منذ اندلاع الثورة ضد الزعيم الليبى معمر القذافى أكدوا أن القرار التركى دفع الليبيين إلى تنحية خلافاتهم واختلافاتهم العشائرية والقبلية والفكرية، انطلاقاً من إيمان راسخ بأن تركيا دولة احتلال لها أطماع فى ليبيا وليس كما يقال إنها جاءت إلى ليبيا من أجل نصرة الشعب الليبى. وأكد خبراء ومسئولون ليبيون أن القرار التركى رغم خطورته فإن له آثاراً إيجابية رغم الاختلافات الفكرية بين القبائل الليبية التى تنحدر فى الأصل من مناطق مختلفة، وهو ما يعنى أن الليبيين يدركون تماماً خطورة التحركات التركية ويستعدون لمواجهتها بكل ما أوتوا من قوة، وبات الجميع على أهبة الاستعداد وحمل السلاح إذا تطلب الأمر لنصرة الوطن ضد الغازى الجديد. ويرى عدد كبير من الليبيين أن مصر هى الأمل الأخير لهم لنصرتهم، وبات «عشمهم» فيها كبيراً، ولديهم ثقة مفرطة فى أن حرية ليبيا ستكون على أيدى المصريين، وأن «القاهرة» هى الجهة الوحيدة القادرة على إنقاذهم من العصابات والميليشيات المسلحة المستترة تحت عباءة الدين. الجالية الليبية: الجميع يرفض العدوان.. وعشمنا كبير فى مصر حيرة وقلق يسيطران على الليبيين الموجودين فى مصر على ذويهم، الكثير منهم يمنى النفس بالعودة والقتال فى صف الوطن ضد الغزاة، ولكن الأمر هذا أصبح بعيد المنال، فالعودة إلى الديار فى الوقت الراهن شبه مستحيلة. مع بداية أحداث الثورة الليبية جاءت صابرين عبدالحق، 56 سنة مع ذويها إلى مصر، هرباً من بطش الميليشيات المسلحة ورغبة فى حياة كريمة أملاً فى التخلص من مشاهد الدمار التى طالت بلدتها الواقعة بالقرب من طرابلس العاصمة، جاءت إلى مصر ولم تشعر يوماً بالغربة، الجميع يرحبون بهم، لا فرق فى المعاملة بينهم وبين المصريين، وطيلة هذه السنوات اعتادت «صابرين» أن تخرج إلى شوارع مدينة نصر حيث تسكن هناك، سنوات مرت وأخرى قادمة والأوضاع كما هى، لا شىء يتغير حتى انقلبت الأوضاع، وتبدلت الأحوال وساءت، فالأمر لم يعد يقتصر على جماعات مسلحة تنهش الجسد الليبى المريض، لكن تطور الأمر إلى غزو بات يدق الأبواب، وصوت المدافع يقترب من الآذان، ومشاهد الدمار فى المخيلة تتعاظم، ما دفع أستاذة التاريخ إلى التوقف عن عاداتها اليومية فى التنزه والخروج إلى شوارع مصر، واكتفت بالمكوث فى المنزل بجوار هاتفها الصغير، تنتظر من آن إلى آخر خبر وفاة أحد أفراد عائلتها التى ما زالت تعيش فى ليبيا. "صابرين": واثقين إن حريتنا هتكون بأياد مصرية بالدموع روت «صابرين» قصتها ل«الوطن» قائلة: «الموضوع مبقاش مقتصر على حرب شوارع فى ليبيا، الأمر تطور إلى غزو عسكرى، على الأبواب، الدولة العثمانية بعد ما سلمتنا ل«إيطاليا» فى 1911م، بعد أربعة قرون من الاحتلال، جايه تانى تحتل أرضنا، أرض أجدادنا وأرض المختار»، مشيرة إلى أنه فى عام 1551 ميلادياً، وقعت ليبيا تحت الحكم العثمانى الذى لم يتاون فى تخريب الأرض والديار الليبية وراح يعبث بالشعب الذى ذاق مرارة الاستعمار، وبمقدراته، وتابعت: «كانوا بيعاملونا أسوأ معاملة وهمّا سبب الخراب والدمار اللى لحق بالدول العربية كلها، تحت شعار مزيف اسمه الخلافة، فى البداية دخلوا ليبيا فى 1551م، بحجة طرد فرسان مالطة، اللى دخلوا ليبيا بعد انشغال الأتراك بحربهم مع الإسبان، وفعلاً نجحوا فى طرد فرسان مالطة، بعد حصار أسبوع كامل، ومن وقتها وهمّا بيسرقوا ويخربوا ويدمروا الموارد والثروات الليبية، وفى نهاية المطاف باعونا للطليان، ودلوقتى الإخوان سلمونا لهم تانى، وإحنا عشمنا فى مصر كبير، وثقتنا فى الجيش المصرى كبيرة، وواثقين إن حرية ليبيا هتكون بأيادى مصرية». "الرشيدى": تركيا عايزة الغاز والإخوان خانوا الشعب الليبى وأمسك حسن الرشيدى، 36 سنة، من بنغازى، طرف الحديث قائلاً: «لو وصل الإرهاب إلى ليبيا واستقر بها هيطول كل العرب، وأولهم مصر اللى قدمت لينا كتير وضحت علشان استقرار أراضينا، وقضت على الإخوان وشتتهم، وحرمتهم من حلم تقسيم الأراضى العربية وقدرت تحتوينا وتحتضنا فى وقت الكل تخلى عنا وعن قضيتنا»، مشيراً إلى أن الأمن القومى المصرى يعد أمناً قومياً لليبيا والعكس، فالعوامل التاريخية والثقافية المشتركة جعلت من الشعبين مزيجاً لا يمكن فصله. وتابع: «تلت أرباع ليبيا رافضين دخول الأتراك، لكن أصحاب المصالح لهم رأى تانى، والموضوع باختصار إن تركيا عايزة تاخد حقول الغاز، والإخوان كالعادة خانوا الشعب الليبى، ومدوا أيديهم للترك». معظم العائلات الليبية الموجودة فى مصر الآن ليست لديهم قدرة على التواصل مع ذويهم ممن ما زالوا يقيمون فى ليبيا، حيث يصف الكثيرون الأوضاع هناك بالكارثية ولا بد من التحرك الدولى لوقف اعتداءات الأتراك على الأراضى الليبية. "نورة": نثق فى قدرة "القاهرة" على إنقاذنا من العصابات المستترة تحت عباءة الدين شأنها شأن باقى أفراد أسرتها الذين يقيمون فى مصر، تاركين وطنهم الأساسى من أجل العيش فى أمن وأمان وفرته لهم مصر، جاءت نورة على، 28 سنة، إلى مصر بعد توتر الأوضاع الداخلية فى ليبيا بعد الثورة، وقررت أن تستقر بها، وكان لها ما كان، وتمكنت من التأقلم مع نمط الحياة فى مصر الذى لا يختلف كثيراً عن النمط الثقافى فى ليبيا لوجود روابط تاريخية بين البلدين، وقالت: «مصر دورها عظيم فى المنطقة ومحدش يقدر ينكر ده، ووقت الأزمات بنلجأ لها، دلوقتى فى ليبيا حرب شوارع وقذائف عشوائية بتنزل فى كل مكان». وفسرت «نورة» ما يحدث الآن على الأراضى الليبية بالقول إنه يتم الآن تدريب الفارين من سوريا على قتال الشوارع حتى يتم القضاء على «حفتر». "سيف": لازم كلنا نتحد وننحى الخلافات وقال سيف بوحدوت، منسق القبائل العربية وشيخ قبيلة الجوازى، إن الدعم المصرى لم يقتصر على العصر الحديث فقط، بل إنه ممتد عبر العصور، حيث بدا هذا الدعم جلياً فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، عندما دعّم معمر القذافى، وشارك الجيش الليبى فى حرب الكرامة التى استردت من خلالها القومية العربية كرامتها من العدو الصهيونى، والآن مصر تدعم وبقوة المشير حفتر حتى يتم القضاء بشكل كامل على الإرهاب. وتابع: «لازم كلنا نتحد وننحى الخلافات جانباً، لأن الغزو التركى غزو على كل العرب، والأتراك منذ القدم سبب دمار العروبة وهمّا سبب تأخر العرب لحد النهارده، والشاهد على ده لما قلبوا الدولة الإسلامية إلى علمانية»، واستنكر «بوحدوت» الموقف التركى قائلاً: «عايز أفهم هو جاى ليبيا ليه؟! يعنى مثلاً عايز يحتلها؟ ده زمن وخلاص انتهى مفيش احتلال دلوقتى». وأكد منسق القبائل العربية أن الشعب الليبى يرفض بشكل قاطع دخول تركيا أراضيه، وجميع القبائل نددت بهذه التحركات: «أمن ليبيا مسئولية مصر، خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة وحدوث الكثير من الانقسامات الداخلية فى ليبيا، وأى تدخل عسكرى يعتبر تعدياً على السيادة ونرفضه بشكل تام، ودور مصر مش غريب عليها لأنها شالت على عاتقها الدفاع عن الحقوق المشروعة للعرب»، مشيراً إلى أن الأوضاع الاقتصادية ساءت بشكل كبير، لاعتماد عدد كبير من الأسر فى مصر على الدعم المادى القادم من ليبيا والذى توقف حالياً بسبب تدهور الاقتصاد الليبى بالكامل. "أبوزيد": الجميع يرفض التدخل وأضاف أبوزيد داخيلة، 23 سنة، أن الأوضاع فى ليبيا غير مستقرة، والجميع يرفض التدخل التركى، مشيراً إلى أن معظم القبائل المعارضة تكاتفت حتى لا تكون صيداً سهلاً لمن وصفهم بالمحتلين: «الدنيا واقفة بشكل كبير، الضرب هناك فى كل مكان، واللى بيعرف يهرب من القصف بيهرب من غير تردد»، معرباً عن أمله فى أن تتحسن الأوضاع بشكل يسمح له بالعودة مرة أخرى إلى ليبيا. ليبيا.. تنوع قبائلى وتفاوت فى مناطق الانتشار تضم ليبيا عدداً كبيراً من القبائل، ما يتسبب فى نوع من الاختلافات القبلية والعشائرية، إلا أن قرار الرئيس التركى إرسال قوات إلى ليبيا لدعم ميليشيات حكومة الوفاق دفع تلك القبائل إلى التغلب على خلافاتها والتوحد فى مواجهة الاحتلال التركى، وتتفاوت من حيث الأهمية تبعاً لعدد المنتمين لها ونسبة التسليح. وتعد أكبر 6 قبائل فى ليبيا هى: الورفلة هى أكبر قبيلة فى ليبيا، وتنتشر فى أغلب مناطق ليبيا، وتعد رأس حربة لمواجهة التيارات المتطرفة والمتشددة. القذاذفة من أشهر القبائل الليبية، بسبب انتماء الرئيس الراحل معمر القذافى لها، ويتمركز القذاذفة أساساً وسط البلاد، فى سبها وسرت. ترهونة تستمد أهميتها من انتماء أغلب القبائل الفرعية إليها، والتى قد تصل إلى نحو 60 قبيلة فرعية، ويتكثف وجودها فى غرب طرابلس. المقارحة منها ينحدر عبدالله السنوسى، الرجل الثانى فى النظام السابق، وكذلك عبدالباسط المقرحى، المتهم فى قضية «لوكيربى». زناتة تنتشر فى مختلف دول المغرب العربى، وهى أكبر القبائل الأمازيجية بليبيا، لكن مركز وجودها الجغرافى فى مدينة الزنتان بمنطقة الجبل الغربى. الطوارق هى قبيلة أمازيجية، تتمركز بالصحراء الكبرى وتتوزع بين عدة دول من الساحل الأفريقى، مثل الجزائر والمغرب، مركزها مدينة غات بأقصى الجنوب. واقرأ أيضاً: سياسيون: التدخل التركى يطيل أمد الأزمة لكنه يوحِّد صفوف الليبيين كاتب بحريني: الالتفاف حول "المشير حفتر" ضرورة لأنه الوحيد القادر على طرد فلول الإخوان وداعميهم