مثل جميع الأمهات، أسعد لحظات حياتها حينما تتزوّج بناتها، أما أنا فقد كانت أشد لحظات حياتي كآبة. بدأ الأمر بشكل طبيعي حينما كبرت ابنتي وصارت عروس، وكنت كلما خرجت معها لاحظت نظرات الإعجاب في عيون الشباب، كما لاحظت نظرات الاهتمام في عيون الصديقات "بنتك احلوّت أوي يا بوسي"، وكنت أتظاهر باللامبالاة بينما كان قلبي يكاد يطير من الفرحة. وبدأ الخطاب يدقون الباب "ابن طنط مديحة شاب لطيف ومعجب بيكي، ايه رأيك"، ولأنها لم تره من قبل كان لابد من ترتيب زيارة عائلية، لم يحدث أي قبول وأصرّت على الرفض، وكان عليّ أن أواجه الموقف الصعب وأبلغ مديحة بطريقة لطيفة أن "المحروس" ابنها مرفوض، وبهذا لم أستطع بعدها رفع عيني في عيون مديحة، أما هي فلم تعد تطيق سماع اسمي. وبعد أقل من شهر ظهر العريس الثاني، ابن عم ابن خالة أخو زوج صديقتي أحلام، وهي تقول أنه فارس همام وشاب ولا كل الشباب، وتكرر الموقف السخيف، وحلفت ابنتي "ستين يمين" أنها لا تريده ولا تتصوره زوجا لها، وبالفعل كان شخصا "سمجا" ولم يتقبله أحد. واستمرت سلسلة العرسان، هذا يريد عروسة بمنزل متكامل وسيارة أحدث موديل وفستان طويل وبذيل، وهذا يريدها أن تجلس في البيت لتتفرّغ لخدمته وخدمة أولاده، وابنتي حاصلة على أعلى المؤهلات و"مصروف عليها في التعليم ألوفات"، وذاك كبير في السن وينقص من عمرة عشر سنوات على الأقل، أما هذا فعصبي و"الدم ضارب في نافوخه معظم الوقت" وابنتي "بسكوتة" رقيقة وملاك رحمة، والبقية بين معدومي الماديات أو المؤهلات، أو بحالات أو من طبقة اجتماعية من دون الطبقات أو كل ما سبق من هذه الحالات. ووجدت نفسي وقد تحطمّت في نهاية المطاف معنوياتي، وخسرت صحتي وجزء لا بأس به من حياتي، وأنا أستقبل وأودع وأحمل الهمّ، وابنتي قد أصابها مثلي النكد والغمّ، ولم يعد لنا سيرة إلا "عريس الغفلة" كما لم يعد في معارفنا أو أقاربنا أو جيراننا أحد إلا وأتحفنا بعريس هدية، حتى خسرنا تقريبا كل من نعرف وأصبحنا مقطوعين من شجرة. وبينما أنا أجلس في سيارتي أفكّر في كل هذا والدموع تنساب على "خدي"، رأيت سيدة محترمة تدق على زجاج السيارة، أصابني الذعر وكنت في انتظار زوجي، فتحت شباك السيارة بحذر فأخرجت لي صورة لشاب وسيم وقالت باستعطاف " ابني.. متعرفيش ليه عروسة حلوة كدا تفرّح قلبه"، لم أصدق نفسي وقلت لها بتلقائية "بنتي.. حلوة وزي القمر"، لن أطيل عليكم فقد تزوجت ابنتي من ابن هذه السيدة ولديها منه الآن ثلاثة أطفال، المشكلة حاليا ليست مشكلة ابنتي الأولى لأن لدي غيرها خمسة بنات أخريات وكلهن على وش جواز "اهيء اهيءاهيء".