تناقلت وكالات الأنباء وصف إسرائيل لسيناء بأنها مصدر تهديد للأمن الإسرائيلى، وصدور تصريحات عن عسكريين إسرائيليين حول ضرورة السيطرة على سيناء تحقيقاً للأمن الإسرائيلى، فضلاً عن حشد وحدات عسكرية وصلت إلى 22 كتيبة احتياط، أى حوالى 3 لواءات، بإجمالى يصل ما بين 10 إلى 15 ألف جندى تقريباً فى مواجهة الحدود مع مصر، التى يبلغ طولها أكثر من 200 كيلو متر. فى محاولة للوقوف على أسباب وأبعاد هذه التصريحات والحشود يعتقد الآتى: 1 - أن سيناء شهدت مؤخراً انفلاتاً أمنياً وصل إلى حد سيطرة ملثمين على مناطق منها وفرض حالة من الفوضى وهجمات متعددة على أقسام الشرطة فى سيناء وقطع طريق العريش/العوجا منذ أيام فى وجه القوات متعددة الجنسيات. 2 - أن الثورة المصرية -وقبلها التونسية- قامت ضد نظام وصف بالعمالة لإسرائيل وأمريكا، حتى إنه اتهم بإهدار المصلحة الوطنية، وتكشف فيما بعد أن قلة عمليات إعمار سيناء كانت لصالح كشفها أمام إسرائيل. 3 - أن بعض المسئولين المصريين، ما بين متشددين ومسئولين حزبيين ومرشحى رئاسة، طالبوا أكثر من مرة بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل وفرض السيادة التامة على سيناء، وطالب آخرون بتعديل اتفاقية كامب ديفيد وزيادة عدد القوات المصرية فى سيناء؛ وهو ما خلق تخوفاً إسرائيلياً فى ظل ما يحدث من متغيرات فى الإقليم. 4 - أن قادة إسرائيل يتخوفون من احتمال استكمال الإسلاميين السيطرة على معظم السلطات بعد فوزهم بالأغلبية البرلمانية؛ ما ينذر بالخطر على أمن إسرائيل من وجهة نظرها. 5 - أن هناك متطرفين فى إسرائيل عيونهم على سيناء، ويكررون الحديث عن خطر الانسحاب الإسرائيلى من سيناء على أمن إسرائيل. 6 - أن وقف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل يعنى تأكيداً للتغيير فى الفكر والتعامل المصرى فيما يتعلق بالتطبيع بين البلدين، ما قد ينذر بقرارات أخرى فى المستقبل. فى إطار ما تقدم يُعتقد أن إسرائيل تحاول إظهار قلقها لدى الجانب المصرى من انعكاس ما يحدث فى سيناء على أمنها، ويريد قادتها أن يظهروا للرأى العام الداخلى والرأى العام الدولى، خاصةً لدى حليفتها الاستراتيجية واشنطن، ما يشكله الانفلات الأمنى فى سيناء والتغيرات التى حدثت وما زالت فى مصر (مثل الهجوم على السفارة الإسرائيلية) من تهديد على أمنها الوطنى، إلى حد أن موضوع اتفاقية السلام كان محور الحديث فى غالبية اللقاءات بين المسئولين الأمريكيين والمصريين منذ ثورة 25 يناير. وتحاول إسرائيل إيجاد مبرر فى حال قيامها بأى اعتداء أو عمل ما فى سيناء لردع أو إظهار قدرتها فى الذود عن أمنها وتفوقها على مصر والدول العربية كافة. وحول أسباب الحشد الإسرائيلى على حدودها مع سيناء، نعتقد أن إسرائيل تعتبر اتفاقية السلام استراتيجية، وهذا يحقق لها مبدأين أساسيين: تجنب أى تهديد مصرى (تحييد مصر) ومن الجبهة الشرقية مع الأردن، ما يمكنها من تركيز جهودها حالياً فى الاتجاه الشمالى مع سوريا بالأساس، وإتاحة التصرف بحرية مع الأطراف الأخرى فى الصراع فى المشكلات العالقة مع الفلسطينيين، وعلى المسار اللبنانى السورى، كما حدث من اختراق الجبهة مع لبنان منذ أيام، ومن قبل عدوان 2006 مع لبنان وعام 2008 تجاه قطاع غزة. السبب الآخر أن إسرائيل تقوم بإجراء احتياطى تجاه قيام عمليات عدائية من جانب الفلسطينيين فى ظل استمرار عمل معبر رفح طبقاً لوجهة نظر مصر والفلسطينيين، بعكس الأوضاع التى كانت سائدة فى ظل النظام السابق، وكذلك لمحاولة الحد من التسلل الأفريقى إليها، الذى يشكل تهديداً لأمنها واستنزافاً لمواردها فى ظل تزايد عمليات الهجرة غير الشرعية عبر حدودها مع سيناء وعجز الأجهزة الأمنية المصرية عن وقفها. وعند النظر إلى طبيعة هذا الحشد من حيث النوعية (جنود احتياط) والعدد، يمكننا القول إنه ليس سوى محاولة إسرائيلية لتقوية العمليات الدفاعية وتأمين الحدود مع مصر، بدلاً من حشد قوات عاملة ذات كفاءة عالية؛ ما قد يكون دافعاً ومبرراً للتصعيد على الجبهة المصرية، فى الوقت الذى تسعى فيه إسرائيل للحفاظ على السلام مع مصر. ولذا فقد يعتبر هذا الحشد الإسرائيلى عنصر ردع وتهديد للقيادة السياسية الإسلامية فى مصر، لفرض الشروط الإسرائيلية فى حال سيطرة هذه القوى على مراكز القرار وطلبها إحداث تعديل جوهرى فى اتفاقية السلام.