سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عمال السخرة ل«الوطن»: «الرزق» مغموس ب«الدم» مئات «الصبيان والبنات» يتنقلون فى رحلة خطيرة يومياً على الطريق الصحراوى مقابل «15 جنيه يومية».. وعشرات من حكايات الألم والمعاناة
على صوت أذان الفجر، يستيقظ عطية عبدالفضيل الرجل الأربعينى، ينتفض من مضجعه، ويوقظ ابنه الصغير «محمد» كى يصليا الفجر ويستعدا للخروج فى مهمتهم اليومية على سيارة العمالة التى تنتظرهم فى قريتهم الصغيرة التابعة لمركز أبوالمطامير بمحافظة البحيرة، يخرج «عبدالفضيل» من منزله مع ابنه الذى لم يبلغ الرابعة عشرة كى يسلمه لأحد المقاولين الذين يعملون فى مجال حصاد الفاكهة، «محمد» لم يلتحق بالمدارس لسوء الوضع المادى للأسرة المكوّنة من خمسة أفراد، يتوجّه «عبدالفضيل» إلى السيارة المرابطة أمام مدخل القرية حتى يستقل سيارة أخرى مع أحد المقاولين للعمل فى مزرعة طماطم بالفأس.. يتذكر الرجل، الذى خط الشيب فى رأسه، الحادث الذى طال 17 من أبناء إحدى القرى المجاورة لهم الذين حضر تشييع جنازتهم، منهم من كان يجاوره فى العمل بالمزارع، فقد حياته بسبب استقلاله وسيلة مواصلات غير ملائمة يستقلها هو يومياً فى رحلة عمله. يقول «عبدالفضيل»: «إحنا كل يوم معرضين للموت فى العربيات المكشوفة اللى بنركبها، إحنا عارفين أن العامل مننا لو مات مالوش دية، ومحدش هينصفه نهائى، لأنه عامل زى حدف الطوب كل شوية فى حتة، والعيال اللى ماتوا فى حادثة الصحراوى أعرفهم كويس، ومنهم واحد كان بيطلع معانا شغل، وشاب محترم، الله يرحمه، ويرحمنا لو كان مصيرنا زيه». يصمت الرجل قليلاً حينما يلفحه تيار هواء السيارة التى بدأت فى التحرك صوب الطريق الصحراوى بالكيلو 71، ويستكمل «عبدالفضيل»: «إحنا لا ورانا أرض ولا فلوس وماحيلتناش إلا الصحة الحمد لله، أنا عندى 4 أولاد، منهم اتنين فى التعليم، واتنين طلعتهم من التعليم عشان يساعدونى فى العيشة، أنا كمان مش متعلم، وأبويا طلعنى من التعليم عشان مفيش فلوس ولا دخل، وكان لازم أشتغل عشان أجيب مصروف للبيت، والله غصب عنى إنى أطلعهم من المدرسة، المدارس مابتعلمش، ولو كان مخه بليد هيحتاج دروس ومفيش معايا فلوس للدروس، أنا باجيب القرش بالكوتة». ويضيف: «أنا ابنى بيشتغل فى اليوم ب15 جنيه أحسن من إنه يقعد فى البيت، الناس اللى بتقول حقوق الإنسان وحقوق الطفل، مش لما الكبار ياخدوا حقوقهم الأول ويعيشوا، العيال الصغيرة يبقوا يقولوا حقوق الطفل». السيارة التى لا يتعدى صندوقها المترين تضم حوالى 15 عاملاً، كل فرد يحمل فأسه التى جلبها معه من منزله، ويحمل فى يده كيساً به قليل من الأغذية، عبارة عن رغيف من الخبز وبعض من ثمار الطماطم، يتخطى العاملون ظروفهم المادية والاجتماعية بالضحك وإلقاء النكات لتهوين مسافة السفر وكآبة المنظر. يتحدث أمير غازى، العامل الثلاثينى الذى لم يلتحق بالتعليم لضيق ظروف أسرته المادية، وعمل فى مجال عمالة اليومية وعمالة الحصاد والزراعة منذ سن التاسعة، يقول «غازى»: «من وأنا عندى تسع سنين وأنا باخرج كل يوم الصبح الساعة ستة بعد صلاة الفجر عشان أشتغل فى المزارع والشركات اللى على الصحراوى، عشان أوفر قرشين لأهلى». يضيف الشاب القمحى الذى لفحت وجهه حرارة الشمس ويدارى ما تبقى من وجهه بشال أبيض اللون: «كل يوم باشوف على الطريق مهازل، كنت راكب عربية الشغل المكشوفة زى اللى أنا راكب فيها وطالع شغل، اتقلبت العربية وعملت حادثة والحمد لله جات سليمة وماحصليش حاجة، وطلعت تانى يوم على عربية تانية عشان لقمة العيش، أصل لو ماطلعتش أنا مش هلاقى آكل عيش ولا هاعرف أصرف على عيالى». ترتفع سرعة السيارة حتى تصل إلى سرعة 140 كيلومتراً فى الساعة، يصمت العمال قليلاً لصعوبة التحدث بسبب تيار الهواء الشديد أعلى السيارة المكشوفة، بعد مرور أحد كمائن «الكارتة» التى يليها الطريق الصحراوى، يتجه سائق السيارة إلى إحدى المزارع بمنطقة النوبارية على نفس الطريق الذى تعرضت عليه سيارة العمال للحادث. نزل العمال إلى المزرعة لتقليم وإزالة الحشائش من أسفل شجر الطماطم الصغيرة. يقول عبدالفتاح صلاح وهو محنى الظهر ويمسك فى يده الفأس كى يمارس عمله تحت إشراف صاحب الأرض: «أنا يوميتى 50 جنيه، ودى أعلى يومية فى عمال اليومية فى الزراعة هنا، لأنها صعبة وشغل بالفاس طول اليوم، أنا بافضل حانى ضهرى من الساعة 8 الصبح لغاية الساعة 4 قبل المغرب». يوكد أشرف سعد، مدير المزرعة التى يعمل فيها العمال بمنطقة النوبارية، أن أكثر فئة مظلومة فى شغل الصحرا كله العامل لأنه مهدور حقه مع المقاول الذى يستولى على نصف الأجر الذى يعطيه له صاحب المزرعة أو الشركة، لكنى لا أتعامل مع مثل هذه النماذج من المقاولين وأحضر العمالة بنفسى من بلدى بالنوبارية. يختلف المشهد كثيراً عن إحدى المزارع المجاورة فى منطقة بنجر السكر، التى تستجلب عمالة فى أعمار مختلفة، على مدخل هذه المزارع يوجد أعداد غفيرة تعمل فى حقولها، بين أعمار ال12 سنة حتى 16 عاماً، وتتعامل مع عدد من المقاولين يجلبون أطفالاً متسربين ومنقطعين عن التعليم، يومية العامل الطفل لا تتخطى العشرين جنيهاً، يقول حسام شرف الدين، طفل لا يتجاوز الثانية عشرة عاماً من قرية تابعة لمدينة أبوالمطامير، يعمل فى جمع الفاكهة فى إحدى المزارع: «أنا مادخلتش المدرسة، وشغال فى اليوم ب20 جنيه، باطلع من الدار الصبح الساعة ستة، عشان أشتغل وأدى لأمى الفلوس عشان تصرف علينا، عشان أنا أبويا ميت ومعايا إخواتى صغيرين». يصمت الطفل قليلاً ويعود متحدثاً: أنا باحب الشغل، باجيب فلوس وأحس إنى راجل وأقدر أصرف على البيت». يختبئ من حر الشمس الشديد، ينحنى بجسده النحيل الطفل ماجد صقر، لقطف حبات الفراولة من إحدى المزارع الخاصة، يبتسم فى خفة مع أحد زملائه العمال وهو يقول: أنا مابحبش المدرسة وباطلع أشتغل عشان أجيب فلوس لأبويا، أصل إحنا عيال كتير إخوات، وأبويا مامعاهوش فلوس يصرف علينا». يقول المهندس يحيى عبدالغفار، مالك إحدى المزارع بالنوبارية إن شركات الاستثمار الزراعى التى تنتشر فى الظهير الصحراوى بمحافظة البحيرة بالنوبارية، أغلبها لا يشغّل الأطفال فى مواسم الحصاد، هذه الشركات لا يوجد عليها أدنى رقابة على استغلال الأطفال. يشير «عبدالغفار» إلى أن آلاف العمالة اليومية تنتقل على طرق خطرة فى وسائل مواصلات غير آدمية وتقع حوادث كثيرة لا يُعلم عنها شىء، ويموت فيها العشرات. الأخبار المتعلقة: رحلة الموت مع «أطفال التراحيل» «عمالة الأطفال» الرأس ب20 جنيهاً مدير «العمل الدولية»: عمالة الأطفال «ورقة ضغط» للغرب ضد مصر