هذه هي مشكلتي، لم أفعل أي جريمة في حياتي، ولكنني كنت "بنوتة" جميلة رقيقة ذات عود رشيق وخصر نحيل، حتى تبدّل الحال وتزوجت أبو العيال، وإذا وُجد "أبو العيال" فلابد أن يتواجد العيال. ومع أول ظهور لهم في حياتي، تبدلت رأسا على عقب، ظهر لي بطن وظهر واختلف هيكلي بالكلية، ونظرت لهيئتي بعد أول ولادة في المرأة فلم أصدق نفسي، وكدت أسقط مغشيا عليّ، ونظرت لأمي وخالتي وعمتي ففهمت الموضوع وتقبلّت الأمر الواقع. كن جميعهن من ذوات الأحجام الثقيلة، ولم أكن أسمع أمي في طفولتي إلا وهي تحكي وتتحاكى عن جمالها وهي شابة، وعودها الريان وقوامها الذي كان يشبه غصن البان، وعرفت أنني سأبدأ من الآن أحكي مثلها عن ماضيّ السعيد. عافرت في البداية فحاولت في الريجيم، ثم لعب بعض التمارين، ثم ارتداء الحزام الخانق والحرمان من ألذّ ألوان الطعام ومتابعة برامج التلفاز الفاشلة، وتتبع إعلانات النصب في كيفية الحصول على أفضل قوام، ومع الأيام اكتشفت أن حياتي تضيع في محاولات يائسة، ولكنني لم أكن في محل اختيار، فأمام نظرات زوجي الساخرة وتلميحاته المستفزة وتعليقاته المنتقدة، كان عليّ أن أبذل جهدا أكبر، وشريط الذكريات لا يفارق ذهني أبدا، وهو يقول "لازم تخسي يا هانم، وزنك بقى كام كيلو؟! متحاوليش الفستان مش هيدخل فيكي، خلي بالك من أكل البنت لحسن تطلع زيك، كفاية أكل إنهاردة، سمعتي عن عملية ربط المعدة ؟!". وبدلا من أن أفكر في الذهاب للكوافير أو للنادي للالتقاء بالأصدقاء، أو الخروج مع زوجي لتناول وجبة عشاء رومانسية، أصبحت لا أذهب إلا لطبيب الرجيم وصالة الجيم ومراكز التخسيس، وفي كل مكان أذهب إليه لا أسمع إلا كلمات اللوم والتأنيب، ولا أرى إلا الميزان الذي أصبح يظهر لي في كل مكان. وبينما أنا في نهاية أسبوعي أفكر في كل هذا، جاءني صوت أمي في الهاتف تدعوني لحضور حفل عائلي كبير كانت تتحدّث عنه منذ وقت طويل، ولم أستطع رفض الدعوة، وما أن دخلت ورأيت ال"أوبن بوفيه " المكتظ بكل ما لذ وطاب، حتى نسيت كل الأقارب والأصحاب وانهلت على الأطباق بدون أي تفكير، ضاربة عرض الحائط بنظرات زوجي ووكزاته الخفية وعباراته النارية، وماحية من ذاكرتي كل ما تبقى من إرشادات الطبيب والمدربة، وطنط دولت التي ابتسمت بسخرية وهي تراقبني وترفع حاجبها قائلة بطريقتها المستفزة لأمي "بنتك تخنت أوي يا عنايات" .