وقع الرئيس فلاديمير بوتين، أمس، معاهدة تاريخية ألحقت القرم بروسيا، على أن تدخل على الفور حيز التنفيذ، متحديا العقوبات الغربية، التي أُعلنت، أول أمس، ضد موسكو، في حين سارعت كييف، والدول الغربية إلى التنديد بتوقيع المعاهدة. وبعد خطاب في قصر الكرملين، وقع بوتين مع قادة القرم الجدد، الموالين لروسيا اتفاقا، يؤيد انضمام منطقتين جديدتين إلى روسيا الاتحادية، هما القرم ومدينة سيباستوبول، التي تتمتع بوضع خاص في شبه الجزيرة. وأوضح الكرملين لاحقا، أن الوثيقة تدخل حيز التنفيذ ابتداء من الثلاثاء (أمس)، حتى لو أنه ما زال يتعين على البرلمان الروسي، التصديق على قانون في هذا الشأن، وهو ما يعتبر إجراء بسيطا. وسارعت الدول الغربية، وفي مقدمها الولاياتالمتحدة إلى التنديد بهذه الخطوة، التي تذكر بأسوأ فصول الحرب الباردة. وفيما توعد البيت الأبيض ب"فرض عقوبات جديدة" على موسكو، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في مكالمة هاتفية، أمس، أن:"وحدة أراضي أوكرانيا، تلقت ضربة غير مقبولة"، بحسب المتحدث باسم الحكومة الألمانية. واتهم الرئيس الأوكراني الانتقالي أولكسندر تورتشينوف، بوتين، بأنه:"يتصرف كألمانيا النازية، بعد قرار موسكو ضم القرم". وهاجمت رئيسة الوزراء الأوكرانية السابقة، يوليا تيموشنكو، في مقابلة مع الصحافة الألماني، ما وصفته ب"الدعاية الفاشية، لبوتين، الذي يلجأ إلى وسائل حربية، بهدف تدمير العالم". وأكد رئيسا المفوضية الأوروربية جوزيه مانويل باروزو، ومجلس أوروبا هيرمان فان رومبوي، في بيان مشترك أن: "الاتحاد الأوروبي، لا ولن يعترف بضم القرم وسيباستوبول، من قبل روسيا". وبعدما قالت مصادر دبلوماسية إن: "فان رومبوي، سيتوجه الأربعاء (اليوم)، إلى موسكو، للقاء بوتين، عاد مصدر دبلوماسي وقال إن: "رئيس المجلس الأوروبي ألغى هذه الزيارة، لأن الروس كشفوا عنها للإعلام". ومن جانبه، أبلغ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، نظيره الأمريكي جون كيري، أمس، أن: "العقوبات الغربية على موسكو بسبب القرم، غير مقبولة مطلقا"، مهددا بأنه:"ستكون لها عواقب". لكن ذلك لم يحل دون أن يوجه كيري تحذيرا جديدا إلى روسيا، معتبرا أن "أي توغل عسكري، تقوم به في شرق أوكرانيا، سيشكل تحديا كبيرا للمجتمع الدولي، يتطلب ردا قويا". واعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوج راسموسن، أن "ضم القرم، عمل غير قانوني وغير شرعي، والدول الحليفة لن تعترف به". أما المتحدث باسم الأممالمتحدة، ستيفان دوياريك، فأعرب عن "قلق متنام"، حيال وحدة أراضي أوكرانيا، لكنه لم يندد بشكل مباشر، بضم القرم، معتبرا أن:"مشاكل الحدود، تتم معالجتها في شكل ثنائي بين الدول". وكان الرئيس الانتقالي في أوكرانيا، أولكسندر تورتشينوف، أعلن في وقت سابق، أن:"وكرانيا لن تعترف أبدا، بضم القرم إلى روسيا". وقال تورتشينوف إن: "أوكرانيا، والعالم أجمع، لن يعترفا بضم أرض أوكرانية"، مضيفا:"هذا قرار خطير، غير قانوني على الإطلاق، واستفزاز خطير، لأوروبا والعالم". وذهب رئيس وزراء أوكرانيا آرسيني ياتسينيوك، إلى أبعد من ذلك، عندما دق ناقوس الخطر، معلنا أن:"النزاع بين بلاده، وروسيا يدخل مرحلة عسكرية، في أعقاب إعلان كييف عن مقتل أحد ضباط الجيش الأوكراني، بعد إطلاق النار عليه في منطقة القرم". وقال إن:"النزاع ينتقل من المرحلة السياسية إلى المرحلة العسكرية"، مضيفا أن:"الجنود الروس بدأوا بإطلاق النار، على عسكريين أوكرانيين، وهذه جريمة حرب". وقد اتصلت هيئة الأركان الأوكرانية، هاتفيا بنظيرتها الروسية، للتنديد ب"دعم الجنود الروس ومشاركتهم في إطلاق النار هذا، الذي أسفر أيضا عن إصابة جنديين أوكرانيين". ومن جهتها، قالت متحدثة باسم الشرطة المحلية إن:"عنصرا في قوات الدفاع الذاتي الموالية لروسيا، قُضى أيضا في الحادث". وأعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية، لاحقا، أن:"الجنود الأوكرانيين في القرم، سمح لهم باستخدام السلاح، إثر تعرض وحدة عسكرية، في سمفيروبول، لهجوم أسفر عن مقتل جندي". ووصف نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، أمس، تحركات روسيا في القرم بأنها:"استيلاء على الأراضي"، محذرا من فرض مزيد من العقوبات على موسكو. وقال بايدن، خلال زيارة إلى العاصمة البولندية وارسو، بعد إعلان الكرملين، إن:"شبه جزيرة القرم، هي جزء من روسيا، وإن عزلة روسيا السياسية والاقتصادية، ستزداد إذا واصلت السير على هذا الطريق، بل إنها ستشهد في الحقيقة المزيد من العقوبات، التي ستفرضها الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي". وأعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيج، أن:"العلاقات بين روسيا والغرب، يمكن أن تتغير في الأعوام المقبلة"، معلنا أن:"لندن علقت جميع أشكال تعاونها العسكري مع موسكو، ووقف صادرات الأسلحة إليها". وقال هيج إن:"الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اختار طريق العزلة بتوقيعه على مرسوم، بضم شبه جزيرة القرم". واعتبر وزير الخارجية السويديكارل بيلت، من جانبه، في تغريدة على تويتر، أن:"بوتين يؤكد بذلك، عزمه على تحدي القانون الدولي والنظام العالمي". ومع أن النزعة الوطنية،غلبت على خطابه، الذي تضمن انتقادات شديدة للغرب، أكد بوتين أن:"روسيا لا تريد تقسيم أوكرانيا، بعد يومين، على استفتاء في القرم، وافق على إلحاق هذه المنطقة بروسيا". وقال:"في قلوب وعقول الناس، القرم كانت وتبقى جزءا لا يتجزأ من روسيا"، مؤكدا أن:"روسيا تخون سكان شبه الجزيرة، لو لم تستجب نداءاتهم لحمايتهم من الاحتجاجات في كييف، التي أدت إلى إقالة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش". وكان الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف، وهب أوكرانيا في 1954، القرم التي كانت تنتمي إلى روسيا، في إطار الاتحاد السوفياتي، ووصف بوتين ذلك القرار بأنه كان :"انتهاكا للمعايير الدستورية"، في تلك الفترة. وقال بوتين متوجها إلى الأوكرانيين الخائفين من سيناريو ، على طريقة القرم في شرق أوكرانيا الناطق باللغة الروسية:"لا تصدقوا من يخيفكم من موضوع روسيا، ويقول لكم إنه بعد القرم، ستتبع مناطق أخرى"، مضيفا:"لا نريد تفكك أوكرانيا، لسنا بحاجة لذلك". من جانب آخر، اعتبر الرئيس الروسي أن:"الغربيين "تجاوزوا الخط الأحمر في الأزمة الأوكرانية". وقال إن:"الغربيين تصرفوا بشكل غير مسؤول"، كما ندد بشدة، بالغربيين الذين اتهمهم ب:"اعتماد شريعة الأقوى، وتجاهل القانون الدولي". وتجمع مساء أمس، نحو 120 ألف شخص، في الساحة الحمراء بموسكو، حيث أُقليم حفل موسيقي، تأييدا لسياسة الكرملين. وكان بوتين، وقع مساء أول أمس، مرسوما، اعترف بموجبه باستقلال شبه جزيرة القرم، متجاهلا العقوبات التي أعلنها خلال النهار، الأوروبيون والأمريكيون. وتشمل العقوبات الأوروبية والأمريكية، التي تعد رمزية، عددا محدودا من كبار المسؤولين الروس والأوكرانيين الموالين لروسيا، وتستثني بوتين، لكنها تستهدف المقربين من الرئيس الروسي، على الأقل، تلك التي اتخذها الأمريكيون. ويعد الخيار العسكري مستبعدا، ويعول الغربيون على النجاح، بفرض عزلة دولية متزايدة على روسيا، وتحتفظ الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان يعدان من الشركاء الثلاثة، البارزين لموسكو، بإمكانية فرض عقوبات اقتصادية وتجارية.