تعاهدا أن يتشاركا رحلتهما سويا حتى يصلا إلى الجانب الآخر من الشاطئ، حيث هناك العش البسيط الذى اتفقا أن فيه حياتهما الباقية والهدوء والسكينة والطمأنينة. أخذ الطائر يطمئن قلب حبيبته أنه سيكون بجانبها فى مواجهة العواصف والرياح قائلا لها: "كيف تخافين عندما تسمعى صوت تلاطم موجات البحر وأنا بجانبك؟!، فحياتى فداءا لكى فلا تخافى"، وبدأت رحلة الوعد والعهد، وتذكرا كيف أنهما منذ زمن إتفقا على قطع هذه المسافة سويا منذ أن كانوا صغارا يتعلمون كيفية الطيران. كان يضع قدمه على الارض فكانت تضع قدمها بجوار قدمه حتى تكتمل الخطوة التى يجب أن تخطوها قدمان، وأثناء لحظات الذكريات تلك وفى منتصف الطريق هبت عاصفة قوية فاحتضن الطائر حبيبته تحت جناحه، ومن شدة خوفه عليها احتضنها بشدة، وبعدما مرت العاصفة بسلام خرجت حبيبته من تحت جناحه ليكملا الرحلة، وتذكرا كيف كانت بالامس القدم بجوار القدم وكيف كان اليوم الكتف بجوار الكتف بعد أن تعلما الطيران، الا ان الطائر شعر باعياء شديد فمن شدة احتضانه لحبيبته ليحميها من العاصفة كُسر جناحه، فهمس فى أذن حبيبته يحكى لها فردت عليه:" انا معك مهما كان"، وكانت تلك الجملة عاملا مساعدا قويا فى أن يستمر الطائر فى رحلته. إلا أن القدر أصر أن يضربه الضربة القاصمة، فتملك منه الإعياء وبدأ يترنح، فنظر إلى رفيقة الطريق فلم تنظر إليه، فظل الطائر يترنح حتى جاءت لحظة السقوط القاتلة، فنظر اليها من أسفل إلى أعلى فاذا به يراها تتركه فى ظلام إحدى الليالى وترتدى ملابس خيانة الوعد وتكمل طريقها دون حتى مجرد النظر اليه أو حتى التفكير فيما ينتظره من مصير، لحظة نظرته اليها كانت هى اللحظة التى حملت دموعه وأعلنت سقوطه. الدمعة التى سقطت من عينه عندما رأى من كانت حبيبته تتخذ قرارها بأن تتركه فى مهب الرياح تجسدت فى تلك الدمعة كل أعماقه التى انهارت بقرارها، وداخل تلك الدمعه كانت صورتها فلم يترك الدمعه تسقط أرضا بل تلقاها على جناحه المكسور واحتفظ بدمعته التى بها صورتها حتى لا ترتطم بالأرض وتضيع ملامحها بين أقدام البشر، وظل الطائر يصارع الهواء فى كبرياء استمده من فخره بنفسه بأنه كان صادقا فيما وعد به يوما، حتى سقط أخيرا فى جزيرة نائية رأى فيها وجوه كثيرة آخرى لم يراها من قبل منها الذكر ومنها الأنثى كانوا ضحايا لرحلات وعد وعهد آخرى، وبات واضحا له أن الجزيرة تشهد على قصص آخرى غير قصته، ورغم ذلك وجد الطائر الجريح نفسه وحيدا ولم يعد أمامه إلا أن يبدأ من الصفر من جديد حتى يتعافى من آلامه ويعاود الطيران . انتهت قصة هذا الطائر التى تبدو خيالية إلا أنها حدثت وستحدث كثيرا فى عالم البشر، وعندما نظرت إليها من منظور آخر، ذكرتنى قصة هذا الطائر بقصة من أحب الثورة وعشقها بكل موجاتها وكان بينه وبينها رحلة وعد وعهد بالتغيير، فاحتضن ثورته تحت جناحه، ثم أتى على مدار السنوات الثلاث الماضية حكام يحاولون القيام بدور العاصفة التى تحاول التفرقة بينه وبين ثورته والتغيير الذى عشقه كى تظهر الثورة فى النهاية وكأنها الحبيبة التى خانت لانها لم تحقق ما وعدت به من تغيير، وأنه كان عليه من البداية ألا يبحث عنها ويسعى اليها ويعشقها وعليه الندم على فعلته، ففى كل مرة يظهر لنا فرعون جديد، مرة يتشبث فى الظاهر بالثورة ثم يريد حكمنا بفاشية باسم الدين والوطن عنده لايساوى كرسى مرشده، وآخر قادم كل المؤشرات تقول أنه يتم الآن تهيئة له الاجواء ليحكمنا بفاشية باسم محاربة الارهاب، ولكن عليك ألا تنسى أيها الفرعون القادم وأنت تقمعنا باسم محاربة الارهاب أن الخطر الحقيقى يكمن فى الارهابيين الحقيقيين الذين تم تركهم -فى تقصير أمنى شديد- يتحركون لساعات بمنتهى الحرية -كما ظهر ذلك فى أحد الفيديوهات- حول مسرح جريمتهم خلف مديرية أمن القاهرة قبل محاولة تفجيرها، هذا هو الأرهاب الذى عليك قتل أنفاسه، فالخطر لا يكمن فى أمثال السيدة التى تم القبض عليها أثناء مرورها مصادفة أثناء فض إحدى التظاهرات وهى تحمل بين أحشائها جنينا فى شهره التاسع، وتم تقييد يدها بسلاسل من حديد الظلم والعار وهى تضع مولودتها التى اسمتها حرية، لتصبح "حرية" صرخة فى قلب الظلم وزبانيته، كما يظهر الآن جليا محاولة طمس ملامح التغيير الذى وعدت به الثورة وذلك فى تعيين رئيسا للوزراء من رجال نظام اسقطته الثورة،ويظهر ذلك ايضا بكل وضوح عندما تهدر الكرامة المصرية وتسيل دمائها فى ليبيا دون رد فعل قوى من نظام جاء بعد احدى موجات الثورة والتى نادت بعودة الكرامة للدولة المصرية التى اهينت على يد اقزام حكموها عام فى غفلة من الزمن، فمازال الوضع كما كان قبل الثورة ولكننا لن نكره ثورتنا، فالحبيبة خانت طائرها بكامل ارادتها اما الثورة لم تحقق وعودها الى الآن بفعل فاعل. لماذا الإصرار على كسر الناس من الداخل؟، أنتم الآن تدفعون الناس دفعا إلى نفس الجزيرة النائية التى سكنها الطائر ونفس إحساس غربته وأنه أصبح غريبا فى وطن بلا ملامح، تدفعون الناس دفعا لكسر العاصفة وأن يلجأوا إلى الثورة من جديد ليسقطوا أى ظالم قادم، افيقوا واعلموا أن البكاء يظهر فى هيئة دموع، أما عندما يكون البكاء للداخل فذلك هو وقود الثورات. _____________________________________________________________ (الآراء المنشورة في قسم "م الآخر" تعبر عن آراء أصحابها فقط)