حالة من التأمل تفرض نفسها عندما تعيد مشهد اللقاء الذى جرى فى موسكو بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس المصرى المنتظر المشير عبدالفتاح السيسى.. وكونه رئيسا منتظرا، ليس كلامى ولكنه واقع الحال وتأكيد الإعلام العالمى بكل اللغات، من يحب السيسى ومن يكرهه يعترف بشعبيته ويجزم بأنه إذا ما تقدم للانتخابات فهو الرئيس بلا منافس. وأعود مرة أخرى لما جرى فى موسكو.. مبدئيا هذه اللُحمة رفيعة المستوى بين مصر وروسيا جرى لها التخطيط عام 2009 إبان حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك تم ابتكار فكرة الاجتماع الرباعى بين وزراء خارجية ودفاع الدولتين، ولكن وبحسب مسئولين فى الخارجية المصرية، كانوا على اطلاع مباشر بهذا الملف آنذاك، تم وقف الأمر بناء على منهج بات خرج أصحابه من السلطة ويسعون للعودة إليها.. ولا أعنى بحال من الأحوال الرئيس مبارك، فلم يكن هو صاحب فكرة التخلى عن هذا التوجه، ولكن هذه الصفحة طويت ونحن الآن أمام صفحة جديدة تعكس تغيرا واضحا فى منهج عمل المؤسسات الأساسية فى الدولة المصرية، وأن هناك تخطيطا وهدفا وإرادة لتحقيقه.. وضع تحت كلمة «إرادة» أكثر من خط. ليست قصة ما جرى فى موسكو مكايدة لأمريكا كما سفه البعض هذا اللقاء.. فمصر أعمق من ذلك.. وأكبر من ذلك.. وصادقة فى أنها تريد تنوعا حقيقيا فى سياستها الخارجية.. ولا تستبدل أحدا بآخر.. فالعلاقات بين الدول تحكمها المصلحة وليس الحب والكراهية كما بين الأشخاص، وبالتالى فمصر ستعيد صياغة تعاون قوى أيضاً مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى عندما يعيدون النظر فى منهجهم وسياستهم، وهو تغير أتوقع أنه سيكون مرتقبا من جانبهم، وخلال العام الراهن بعد انتخابات الرئاسة والبرلمان فى مصر وصولا إلى انتخابات الكونجرس فى أمريكا، والمتوقع لها غالبية من الحزب الجمهورى من المؤكد أنها ستجبر أوباما على تغيير سياسته تجاه مصر. نعم.. التقت مصالح مصر وروسيا تجاه شرق أوسط يعاد تركيبه وصياغته، ويبدو أن تفاهما واضحا تعكسه العناوين والسطور وما بينها أن الفوضى يجب أن تنتهى وآن لها أن تتوقف.. معنى هذا أن ما جرى فى روسيا سوف يكون له انعكاسات على الأرض فى سوريا وانعكاسات على الأرض فى ليبيا وبعد آخر فى أمن منطقة الخليج العربى، التى تعيش قلقا مشروعا من الارتباك الأمريكى تجاه إيران وبرنامجها النووى وبعد أخير فى التطويق الإقليمى لدور تركيا التى تعانى من مشاكل مع كل جيرانها. وفى المشهد أيضاً بعد آخر يتعلق بنواح شخصية وسمات تجمع بين بوتين والسيسى.. فكل منهما يملك عقلا ترتب من خلال العمل المخابراتى.. ورجل المخابرات على عكس الصور الذهنية أو السينمائية هو بالأساس رجل معلومة.. يجيد الحصول عليها ويجيد تقييمها وتحليلها وصولا إلى التقدير السليم للموقف، واضعا كافة السيناريوهات التى تقود لها هذه المعلومة، وبالتالى هو شخص مرتب الذهن، دقيق فى كلمته، ويزنها ويعرف ماذا يريد، ويتسم بقدر عال من الانتماء الوطنى، لأن بطولته تكون فى إنجاز لدولته دون أن يعرفه أحد، وتقديره يكون بداخله دون أن يكرمه أحد. وكذلك نظرة الشعب الروسى لبوتين بعد الانهيار الذى لحق بروسيا من جراء تفكك الاتحاد السوفيتى وتولى بوتين المسئولية بعد يلتسين، كانت نظرة الشعب الروسى له وما زالت أنه بطل يحمل حلم روسيا ويؤمن بها، وهو كذلك وهى نفس النظرة الشعبية التى يتمتع بها المشير السيسى الآن، فهو عند غالبية المصريين ليس سياسيا صاحب شعبية ولكن بطل كأبطال روايات نجيب محفوظ، الذى ينتصر للغلابة من المفترى عليهم.. وهو كذلك، والسيسى يحمل حلم المصريين ويؤمن بمصر وترجمه فى جملة بسيطة وهى «أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا».