الذين يرفضون رئيساً شبيه الفرعون. ويلعنون الفراعنة والتفرعن والفرعنة. ويخشون إحياءها فى مصر إنما يستندون فى حملتهم الضارية تلك على سوء السمعة التى لازمت الفرعون والفرعنة فى الأمثال الشعبية التى يؤمن بها ويركن إليها العوام فى أوساط المجتمع. مثل «يا فرعون إيش فرعنك. مالقتش اللى يردنى».. ويقولون «فلان تفرعن أى علا واستكبر».. «واللى نقول عليه موسى يطلع فرعون». هذه هى بعض صور الفرعون لدى عوام الناس وهى على النقيض تماماً من صورته فى سجلات التاريخ. فالفرعون هو القائد الذى شيد الأهرامات وأقام المعابد. وأنشأ الحضارة. وغزا العالم شرقاً وغرباً ليقيم إمبراطورية يحكمها من «منف» أو «طيبة» أو من غيرهما من حواضر الإمبراطورية العظمى. هكذا كانت مصر فى عهد الفراعنة العظام -ولم تكن فى عهد آخر- الدولة القائدة غير المنقادة. المتبوعة وليست التابعة. فما من فرعون جاء إلى الحكم إلا وبدأ بتحقيق الوحدة الوطنية أولاً. فجمع شتات الأقاليم المنقسمة. فى ربوع مصر فى إقليم واحد وتحت راية واحدة. وما يكاد يفرغ من ذلك حتى يرنو ببصره إلى خارج الحدود. فيخرج على رأس جيشه ليحقق الوحدة الإقليمية جامعاً شتات الدويلات والإمارات من حوله. تحت راية واحدة. فعلها فراعين مصر العظام أحمس وتحتمس وأمنمحات ورمسيس وسيتى. ومحمد على وعبدالناصر. آخر سلالة فراعين مصر العظام. فكانت تهمة كل منهما لدى دول الغرب المستعمر أنهما يسعيان لتكوين إمبراطورية فرعونية تُحيى الإمبراطورية القديمة. الغريب أن تكون هى التهمة نفسها التى واجهها عبدالناصر من معارضيه من المصريين والعرب. كما لو كانت الوحدة العربية نزعة فرعونية وليست هدفاً تسعى الشعوب العربية إليه حصناً لها من التفتت وملاذاً يمنحها الشعور بالأمان من أطماع الغرب وقوى الشر المتربصين بهم. الفراعنة هم الذين وضعوا مصر على خريطة العالم السياحية لتكون السياحة مصدراً مهماً من مصادر الدخل. أى أننا لا نزال نأكل على موائد الفراعنة حتى الآن! الفراعنة هم الذين وضعوا مصر فى مقدمة الدول ذات الحضارات العريقة. فلا يوجد ما نُفاخر به ونزهو على شعوب العالم من حولنا سوى أننا «شعب فرعون». فنطلق بكل فخر على فريقنا الوطنى اسم «الفراعنة» لنعلى من شأنه بين فرق العالم فى ملاعب الكرة، بينما لا تجد شعوب أخرى وصفاً لفرقها غير الجديان والديوك والدببة والأفاعى..! إنك لن تعرف قيمة الفرعون والفراعنة إلا إذا قُمت بزيارة لأحد المتاحف الشهيرة فى دول أوروبا لتجد الطوابير تقف بالساعات أمام الآثار الفرعونية وسط شعور بالانبهار والدهشة. فيغمرك إحساس بالفخر حتى تكاد تصرخ بأعلى صوتك «أنا فرعونى»! الذين يضعون موسى المؤمن فى مواجهة فرعون الكافر يجهلون أن أخناتون -أول من وحد الله- كان فرعوناً. والذين يرمون الفراعنة بالعلو والاستكبار يجهلون أنهم كانوا يظهرون الخضوع والتواضع أمام إله حتى لو كان مُجرد خنفسة! الأمثال الشعبية التى ترتكنون عليها فى الإساءة إلى الفرعون لا تتسم غالباً بالحكمة والموعظة الحسنة فهى تطالبنا بالكف عن المبادرة والرضوخ للأمر الواقع حتى «نلف سنة ولا نخطى قنا». هل ما زلتم ترفضونه فرعوناً. أم تقبلون به قائداً يعود بكم إلى قيادة العالم؟!