خيم الحزن على أهالى قرية الطرح فى الإسكندرية بعد مقتل شاب يُدعى رجب مسعود (27 سنة) وإصابة 7 آخرين بطلقات نارية أطلقها ضابط الحراسات بمحطة أبوقير القديمة للكهرباء أثناء تجمهر الأهالى أمام المحطة للمطالبة بالتعيين. «الوطن» ذهبت إلى القرية المكلومة لتسمع القصة من أطرافها، ويروى محمد رزق (32 سنة) أحد الأهالى، بداية الأحداث قائلا: «تجمعنا صباح السبت الساعة السابعة صباحا أمام الشركة فى وقفة سلمية للمطالبة بتنفيذ الوعود التى منحها لنا المهندس جابر الدسوقى الرئيس السابق لشركة كهرباء غرب الدلتا، الذى تمت ترقيته لمنصب رئيس الشركة القابضة لكهرباء مصر، بتعيين 250 من أبناء القرى المجاورة للمحطة، بعدما شاركوا فى حماية منشآت الشركة أثناء الثورة، وحماية معدات المحطة الجديدة والقديمة والمساهمة فى تأسيس المحطة من خلال عملهم مع الشركات المنفذة، إلا أن مدير الشركة عبدالعزيز أبورية رفض مقابلتنا، مما دفعنا لإقامة مظلة للاحتماء من الشمس والجلوس على الأرض أمام الشركة حتى سماع شكوانا». وتابع رزق: «حضرت قيادات من الجيش والشرطة فى الظهيرة، وطلبوا ألا نعترض طريق الموظفين وقت خروجهم، وهو ما تم بالفعل». وبحسب الأهالى، بداية الاشتباكات كانت حين بادر عدد من عمال الشركة بإلقاء الطوب من داخل الشركة عليهم، وهو ما دفعهم للرد عليهم من الخارج، وأثناء ذلك، ودون سابق إنذار، تم فتح البوابات وخرج ضابط من داخل الشركة وأطلق الرصاص من سلاحه الميرى فى الهواء، ثم أخذ سلاحا آليا وخرج فاتحا نيرانه علينا، بعدما فررنا من أمام الشركة، وهو ما أدى إلى إصابة 7، ومقتل رجب مسعود الذى أصابته بندقية آلية من على بعد 160 مترا من بوابة الشركة، وبعد شريط السكة الحديدية المواجه للشركة، برصاصة دخلت جسده من الظهر واستقرت فى القلب، ولفظ على أثرها أنفاسه فى مستشفى أبوقير. وعقب ذلك خرج أهالى القرية للتجمهر مرة أخرى أمام الشركة اعتراضا على مقتله لكن استمر الأمن فى إطلاق النيران عليهم. ونقل الأهالى المصابين إلى مستشفى أبوقير العام، وتلقوا إسعافات خرجوا بعدها، ما عدا عبدالسميع السيد، وشهرته وائل، الذى كانت حالته حرجة لإصابته بطلق نارى فى فخذه اليسرى. واشتكى إبراهيم قنديل، ابن عم المتوفى، من قيادات الشركة قائلا: لا تزال قيادات شركة الكهرباء تتعامل معنا بنفس أسلوب النظام القديم، وكان جابر الدسوقى رئيس شركة كهرباء غرب الدلتا السابق، ورئيس الشركة القابضة للكهرباء حاليا، وعدنا بتعيين 250 فردا من 17 قرية مجاورة للشركة. وهو ما أثبته الأهالى بتسجيل فيديو حصلت عليه الوطن، قاموا بعده بتجهيز أوراقهم قبل أن يكتشفوا أن الأمر مجرد خداع لهم. وطالب الأهالى من رئيس الشركة الحالى تنفيذ وعود الرئيس السابق للشركة، واتصل أحد ضباط القوات المسلحة المسئول عن الوساطة بين الأهالى وبين الشركة، برئيس الشركة السابق، ونفى وعوده وطالبهم بالذهاب إلى محمود بلبع وزير الكهرباء الجديد. وقضت «الوطن» يوما وسط أهالى القرية الذين رفضوا بشكل قاطع تسميتهم «البلطجية»، واتهامهم باحتجاز العمال، ومحاولة اقتحام الشركة وتخريبها، وتحميلهم فوق كل ذلك مسئولية انقطاع الكهرباء عن الإسكندرية بدعوى منعهم تشغيل محطة كهرباء أبوقير. وقال محمد السيد (25 سنة) أحد شهود العيان: «منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، ونحن نطالب بالتعيين فى محطة كهرباء أبوقير، وحصلنا على وعود من كافة رؤساء مجلس إدارة الشركة السابقين والحاليين ولكن دون فائدة. وأوضح وائل عبدالجواد، (31 سنة) أحد الأهالى، أن أفرادا من الجيش والشرطة طلبوا منا فى تمام الثانية والنصف الابتعاد عن البوابات لأن عمال الوردية الأولى يرغبون فى مغادرة الشركة، ويخشون الاعتداء عليهم، واستجاب الأهالى وسمحوا للعمال بالخروج، ولكن عددا منهم رفض الخروج، وطلبوا قوة من مديرية الأمن، والأمن المركزى. وأضاف: «بعدها سقطت زجاجة من إحدى نوافذ الشركة فأصابت محمد حامد، محامى الأهالى، بجرح قطعى فى الرأس فانفعل الشباب، ورشقوا الشركة بالطوب، بعدها فوجئنا بوابل من الرصاص ينهال علينا». وقال أحمد الصافى (24 سنة): «عقب ذلك بدأ الأهالى فى الهروب، والاختباء بالمساكن المجاورة». ورفضت خضرة مصطفى (56 سنة) تسمية شباب الطرح بالبلطجية قائلة: «ما كانش حد فيهم معاه حتى عصاية يبقى ازاى اعتدوا على العمال؟ وبعدين لو كانوا فعلا معاهم سلاح هاتولى عامل واحد فى الشركة اتصاب، همّ اللى رجعوا جرحى وبيجروا وهدومهم مليانة دم». وقالت خميسة جابر: «ولادنا أولى بالعمل بالشركة، هم من حموا الشركة ومعداتها اللى بالملايين، وبعد كده يقولوا عليهم بلطجية، وهمّ كلهم كليات ودبلومات ومش عايزين غير ياكلوا عيش فى بلادهم بالحلال، لو كانوا بلطجية كانوا سرقوا الشركة وقت الثورة، لما ما كانش فيه جيش ولا شرطة». وأضاف سعيد مبروك (25 سنة)، أحد الأهالى: «شباب الطرح أخفوا معدات الشركة فى أراضيهم وقت الثورة، والحكومة ورجال الأعمال كرموهم بعدها، فكيف يكون رد الجميل إطلاق الرصاص عليهم ثم نعتهم بالبلطجية». وبدموع غزيزه لا تتوقف استقبل وائل السيد عبدالسميع (28 سنة) أحد المصابين، خبر وفاة زميله فى العمل وجاره «رجب عليش» وقال: «حسبى الله ونعم الوكيل، كل ده علشان طالبنا بحقنا، وبلقمة عيشنا». سماح إبراهيم (18 سنة)، خطيبة القتيل، لا تتوقف دموعها حزنا على خطيبها الذى لقى مصرعه فى الأحداث، وقالت: «عاش وهو يخدم الناس، ومات وهو يخدمهم. كان بيحبنى وانا باحبه، وكنا هنتجوز كمان شهر لكن خلاص مات. حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى قتل فرحتنا». تضيف: «خطيبى كان عاملاً باليومية، كانت تجمعنا قصة حب انتهت بالخطوبة فى عيد الأضحى الماضى، وكان من المفترض أن تتوج بالزواج الشهر المقبل». وكشفت عن أن خطيبها لم يكن ممن يطالبون بالتعيين فى الشركة، ولكنه توجه إلى مكان الحادث للوقوف بجانب أهله وأقاربه. وأضافت: «جهزنا شقتنا.. حتى الأثاث اشتريناه، وكان المفروض حنبدأ نفرشه خلال أيام، ويوم الحادث حاولت أتصل بيه على تليفونه المحمول بعد العصر، ولكنه لم يرد، وكررت الاتصال عدة مرات حتى رد علىّ شخص لا أعرفه، وأخبرنى أن خطيبى أصيب بطلق نارى فى ظهره، ونُقل إلى مستشفى أبوقير العام، ثم أغلق الهاتف نهائيا، بعدها توجهت إلى المستشفى، وكان أسوأ خبر فى حياتى.. حبيبى مات وخد معاه قلبى».