لا بد أن نعترف بأننا ما زلنا ننحدر لأسفل، بل إننا خلال السنوات الثلاث الماضية ازدادت حدة انحدارنا حتى قاربنا أن نصل إلى قاع الزجاجة.. وانحدارنا المتواصل لأسفل ليس اقتصادياً فقط، بل يكاد يكون انحداراً فى كل المجالات والنواحى.. ننحدر صناعياً وزراعياً وسياحياً، بل فنياً وثقافياً ورياضياً.. ننحدر اجتماعياً وأخلاقياً وتربوياً.. نحن بالفعل نكاد نصل إلى القاع ولا بد لنا من نجدة ومن منقذ ينقذنا من كارثة الارتطام بالقاع.. والمنقذ من وجهة نظرى المتواضعة هو التعليم.. نعم.. لا منقذ لمقدرات هذا البلد المنحدر نحو القاع سوى التعليم. ولمن لا يعلم أن تقريراً رسمياً أمريكياً خرج للرأى العام الأمريكى فى منتصف أو أواخر التسعينيات مفاده أن مستوى طالب التعليم فى اليابان أعلى بعدة درجات عن مستوى نظيره الأمريكى.. وأن مستوى التعليم فى أمريكا مستقر على ما هو عليه بينما اليابان ودول أخرى تطور منظومة التعليم باستمرار مما جعلها تتفوق على منظومة التعليم الأمريكى.. وهنا كادت الحياة أن تتوقف فى أمريكا وخرج الرئيس الأمريكى وقتها وأعلن أن أمريكا فى خطر.. وتكاتفت هناك كل الجهود للنهوض بالتعليم وتطويره تحت شعار «الأمة فى خطر».. وبالفعل وبعد أن رصدت الحكومة الأمريكية ميزانيات ضخمة وبعد أن تكاتفت جهود الحكومة والمجتمع المدنى هناك وبعد أن جعلوها قضية أمن قومى بل وقضية حياة أو موت استطاعوا فى سنوات قليلة تطوير منظومة التعليم والارتقاء بمستوى الطالب الأمريكى حتى وصل إلى مستوى نظيره اليابانى.. وعندنا هنا فى مصر أيضاً كان عهد الرئيس مبارك (لا سامحه الله) الذى أهمل فيه التعليم إهمالاً متعمداً «من منطلق إيمان مبارك بمقولة سياسية خاطئة مفادها أن تحكم شعباً جاهلاً غير مدرك أيسر بكثير من أن تحكم شعباً متعلماً مدركاً»، فكان إهماله للتعليم هو العصا السحرية التى استطاع بها الاستمرار فى الحكم ثلاثين عاماً كانت قابلة للزيادة بالرغم من فساده وتواضع قدراته.. لماذا؟ لأن الأساس الخرسانى للبناية «الذى هو التعليم» انحدر فكان لزاماً أن تنحدر كل أركان البناية.. وللقادم -سواء كان المشير السيسى أو غيره- إذا أردت بهذا البلد ولهذا البلد خيراً فلتكن البداية والانطلاقة من التعليم.. وكوسيلة لزيادة عدد المدارس الحكومية وللقضاء على تكدس الفصول الدراسية فعندنا آلاف شركات الأعمال التى تحقق أرباحاً ضخمة كل عام.. ولنفرض فرضاً على كل شركة من هذه الشركات أن تبنى وتجهز مدرسة أو أكثر حسب قوتها المالية.. ولنرسل البعثات التعليمية أو نأتى بخبراء أجانب فى التعليم ليعلموا مدرسينا كيف يقومون بتدريس المناهج الحديثة للطلاب.. وبالطبع نجند خبراء تعليميين (وما أكثرهم فى بلدنا) لتطوير وتحديث مناهج التعليم.. ولنهتم بالتعليم الفنى.. والتثقيف التعليمى بفرض مواد تثقيفية يكون النجاح فيها إجبارياً على جميع مراحل التعليم. وملخص الأمر أن نأخذ الموضوع «موضوع التعليم بجد» ونعلنها مؤمنين بها أن الأمة فى خطر ولا منقذ لنا من هذا الخطر سوى بالنهوض بالتعليم. ووالله الذى لا إله إلا هو لو نهضنا بالتعليم سننهض فى جميع المجالات حتى فى سلوكياتنا المرورية فى الشارع.. بل وستختلف شوارعنا نفسها، فشوارع يسير فيها شعب متعلم أكيد تختلف كثيراً عن شوارع يسير فيها شعب جاهل ومتخلف تعليمياً، بل إن الحرفى المتعلم والمدرب أمهر أضعافاً كثيرة من مهنى جاهل كل ما يعرفه عن مهنته أبجدياتها الأولى.. بل إن مزارعا متعلما من المؤكد محصول أرضه سيكون أضعاف محصول نظيره غير المتعلم.. ولنا فى قول الله عز وجل «هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون» العظة.. والله سبحانه وتعالى من وراء القصد..