حتي يومنا هذا فأنني أري أن المشروع النووي المصري هو مشروع للتدوال فقط علي صفحات الجرائد ووسائل الإعلام وعبر الفضائيات ، وحتي الأن لم تتخذ أي إجراءات تنفيذية علي أرض الواقع . نحن نعلم أن مصر بدأت نهضتها الصناعية الحديثة مع بداية ثورة 1952 ، وأخذت في أعتبارها أن أهم مقومات الرقي والارتقاء بالبلاد هو إمتلاك التكنولوجيا النووية وتوطينها في مصر ، فقد كانت من أهم أوليات القيادة السياسية حينذاك الأهتمام بالأنشطة النووية المختلفة ومن بينها مشروع المحطة النووية لإنتاج الكهرباء وتحلية مياه البحر ، فتم إنشاء لجنة الطاقة الذرية سنة 1955 ، ثم إنشاء هيئة الطاقة الذرية سنة 1957 ، ثم تشغيل المفاعل البحثي الأول سنة 1961 ، ثم إنشاء قسم الهندسة النووية بهندسة الاسكندرية سنة 1963 ، وكان المشروع النووي المصري طموحاً ، وبدا أنه بإمكانه التوسّع والنمو، إلا أن مصر لم تحقق أى تطور فى هذا المجال وكانت دائما تقف على أول الطريق برغم أن دول كثيرة ومن بينها الهند دخلت مجال الطاقة النووية مع مصر ولكنها سبقتها بمراحل ، فقد شهد البرنامج النووي المصري تراجع بشكل ملحوظ بعد هزيمة 67 ، وهجرة معظم علماء الطاقة النووية المصريين الي أمريكا وكندا وأوروبا. ورغم عدم قبول إسرائيل بالانضمام الي اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية إلا أن مجلس الشعب المصري وافق علي هذه الاتفاقية عام 1981 ، ثم قامت مصر بالتوقيع على اتفاقية الحظر الشامل للتجارب النووية في ديسمبر 1996 ، وهو ما اعتبر إعلاناً عن سياسة التخلي عن الخيار النووي العسكري ، وإعلانا رسميا صريح علي أن إسرائيل هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة ، فهل كل هذه التنازلات المجحفة والصعبة كانت كافية لإرضاء اللوبي الصهيوني ؟ ، وهل أعطي اللوبي الصهيوني الضوء الأخضر لأمريكا والدول الغربية للمضي قدما في مساعدة مصر لتنفيذ مشروع المحطة النووية المصرية ؟ ، الاجابة : لا ، فاللوبي الصهيوني لن يرضي بوجود دول قوية ذات سيادة في المنطقة ، واللوبي الصهيوني لن يرضي إلا أن تتقسم دول المنطقة وتكون قبائل وعشائر متناحرة . فإذا كانت المؤشرات الحالية تشير الي أن أولويات الإدارة السياسيه الحالية هو المضي قدمنا في الأسراع في تنفيذ مشروع المحطة النووية بموقع الضبعة ، وهذا ما فهمناه من قيام القوات المسلحة المصرية في 30 سبتمبر 2013 بإستلام موقع المحطة النووية من أهالي الضبعة لتنفيذ المشروع ، وتلي ذلك إعلان السيد المستشار / عدلي منصور (الرئيس المؤقت) في احتفالات نصر 6 أكتوبر "أن الإدارة السياسيه الحالية تشرع في تدشين أول الخطوات لمشروع قومى عملاق ، فأعلن البدء في مشروع إنشاء محطات نووية للاستخدامات السلمية للطاقة على أن تكون الضبعة أول مواقع لمشروع وطنى من شأنه أن يحقق للأجيال القادمة أحد أهم متطلبات التنمية المأمولة والمستحقة لمصر خلال العقود القادمة" ، إلا أننا بعد هذا التصريح الصريح من الرئيس المصري لم تظهر أي بادرة حقيقة نحو تنفيذ مشروع المحطة النووية بالضبعة ، ولازلنا نعيش نفس الأجواء التي عشناها من قبل "نسخن ثم نبرد" ، فهل المشروع النووى المصرى من أولويات الإداره السياسيه الحالية ؟. نستطيع أن نقول أنه بعد 4 شهور من إعلان الرئيس المؤقت عن تدشين أول الخطوات لمشروع المحطة النووية أننا "محلك سر" ، مع أنه واضح للجميع أن مشروع المحطة النووية هو مشروع أمن قومى ، فهو أمن قومي لامتلاك التكنولوجيا النووية وتوطينها في مصر للأرتقاء بالصناعة المصرية وهذا من حق الأجيال القادمة علينا ، كما أنه أمن قومي لتوفير طاقة كهربائية نظيفة ورخيصة للوفاء بنهضة البلاد وتنميتها ، فهو مصدر قوة وحماية للبلاد من كل طامع في تقسيم وتفتيت الدولة المصرية. وليعلم الجميع أن جميع المحطات النووية من النوع الماء الخفيف المضغوط ومن الجيل الثالث سواء كانت أمريكية أو اوربية غربية أو روسية أو صينية أو كورية جنوبية والتي تنتج حاليا وقدرتها من 900 الي 1650 ميجا وات تعتبر مقبولة فنيا ، وسيكون الفيصل في اختيار الدولة الموردة للمحطة علي موافقتها علي الشروط المالية والقانونية المصرية طالما ان المواصفات الفنية للمحطة مقبولة لنا ، وكلنا يعلم أن مشروع المحطة النووية هو مشروع ضخم فهو مشروع دولة ، فهو من الضخامة بحيث ان الدول المصنعة للمحطات النووية ستتصارع وستتنافس للفوز بموافقة مصر علي الشراء منها وتواجد تكنولجياتها النووية داخل مصر ، فهو مشروع إستثماري وسوف يغطي تكاليفه خلال سنوات معدودة ، وبنا على ذلك فإن الشروط المالية والقانونية المصرية ستكون مقبولة لدي الدول المتنافسة. فإذا تساوت الفرص للدول المتقدمة للفوز بمشروع محطة الضبعة النووية ، فإن ترتيب الأولويات بين الدول المتقدمة سيتوقف علي العامل السياسى ، وهذا العامل تحدده مصلحة مصر العليا ، ونحن جميعا نعلم أن مصلحة مصر العليا هى أن نسند تنفيذ هذا المشروع الضخم لدولة علاقاتها السياسية مع مصر مستقرة ولا تتغير مع تغير علاقاتنا مع إسرائيل ، فإذا نظرنا الى الدول المصنعة للمحطات النووية فإننا نجد أن كل من روسيا والصين تعتبر من الدول المستقلة سياسيا عن ضغوط اللوبي الصهيوني ، وتعتبر علاقاتنا مستقرة مع هذه الدول ، ولن تستخدم هذه الدول مشروع المحطة النووية المصرية كورقة ضغط ضد السياسة المصرية حين تأزم علاقاتنا مع إسرائيل. وكنا نود ان تكون الزيارة التي قام بها السادة وزير الدفاع ووزير الخارجية لروسيا (يومي 12 و 13 فبراير) والتي تناولت مجالات التعاون والعلاقات العسكرية أن تتناول أيضا الشراء بالأمر المباشر للمفاعل الروسى من النوع "فى فى إى آر" (VVER) كسبا للوقت وإغتناما للفرصة المتاحة للعلاقات الطيبة مع الجانب الروسى ، فلماذا نحن ننتظر طرح مناقصة عالمية ونتأخر سنة ونصف أو سنتين لتوقيع عقد مع دولة ما لتوريد محطة نووية ؟ ، ولماذا نحن ننتظر طرح مناقصة عالمية ومن المحتمل ان نقع تحت ألاعيب اللوبي الصهيونى وتفشل محاولة مصر الرابعة للحصول على محطة نووية كما سبق وأن قام اللوبى الصهيوني بإفشال محاولات مصر الثلاث للحصول على محطة نووية من خلال المناقصة وذلك أعوام 1964 و 1974 و 1983 ، وأرجو أن نتعظ ونهرب من هذا الفخ ، فلو فشلت المحاولة الرابعة للمناقصة العامة المزمع طرحها كما يتمنى اللوبى الصهيوني ، فستكون الضربة القاضية للبرنامج النووي المصري ولن تقوم له قومة بعد ذلك ، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يبعد عنا شر ألاعيب اللوبي الصهيوني.