تقترب الذكرى الثالثة للثورة الليبية، ومعها تبدو البلاد عازمة على البقاء فى حالة ثورة مستمرة تنزلق معها إلى مزيد من دوامات الفوضى والعنف والتقسيمات القبلية وسيطرة الميليشيات المسلحة وصعود نزعات الفيدرالية، وسط غياب وعجز حكومى واضح، بما يؤكد أن عملية الانتقال من «الثورة» إلى «الدولة» فى ليبيا ما زال أمامها طريق شاق. ورغم أن ليبيا كانت سبّاقة فى تأسيس حكومتها الانتقالية خلال الثورة وقبل سقوط «ديكتاتورها» العقيد معمر القذافى، ووضعت برنامجاً زمنياً واضحاً لعملية الانتقال الديمقراطى، فإن رياح الصحراء الليبية جاءت بما لا تشتهى سفن قوى «17 فبراير». هذه «السلطة الانتقالية الهشة»، التى أخذت عدة أشكال مثل «المجلس الوطنى»، ثم «المؤتمر الوطنى»، و«الحكومة المؤقتة»، لم تتمكن من فرض السيطرة على الأراضى الليبية وإخضاع الميليشيات الثائرة، رغم الدعم الخارجى للحكومة وميزانياتها الضخمة لدولة لا يزيد عدد سكانها على 6 ملايين نسمة. تختفى ملامح الدولة وسط عمليات الاقتحام والخطف والاغتيالات التى طالت الوزراء والدبلوماسيين الأجانب، أبرزها اختطاف رئيس الحكومة على زيدان، بصورة جعلت المسئولين غير قادرين على التنقل بعيداً عن مكاتبهم. ووسط كل ذلك تعيش ليبيا حرباً إعلامية لا تقل ضراوة عن مشاهد العنف على الأرض، بين فضائيات إسلامية متطرفة وأخرى قومية متشددة، بعضها يمولها الثوار على امتداد انتماءاتهم، وأخرى يرعاها «أزلام» القذافى، وليست هذه الفضائيات بعيدة عن التنكيل، فعلى طريقة حصار أنصار «أبوإسماعيل» لمدينة الإنتاج الإعلامى المصرية، قامت عناصر مسلحة، مؤخراً، بحصار واقتحام قناة «العاصمة» المقربة من تحالف القوى الوطنية المعارض ل«إخوان ليبيا» بعد أن أمطروها بقذائف صاروخية. وبعد فشل المؤتمر الوطنى «البرلمان» المنقسم منذ انتخابه عام 2012 بين كتلتين هما «الإخوان المسلمون» ممثلين فى نواب «حزب العدالة والبناء»، وتحالف القوى الوطنية، فى إنجاز الدستور أو الإطاحة بالحكومة العاجزة نتيجة انقسامه بين قوتين متكافئتين، وانتهاء مدته القانونية ثم تمديدها دون العودة للشعب، عاشت ليبيا مشهداً سياسياً وعسكرياً دراماتيكياً، مع تصاعد المظاهرات المنددة بتمديد «المؤتمر الوطنى»، ومفاجأة اللواء خليفة حفتر، القائد العسكرى السابق فى الجيش الليبى، الجميع بالإعلان عن تجميد الحكومة والبرلمان فى شريط تليفزيونى بعث به عبر الإنترنت، واصفاً تحركه بأنه ليس «انقلاباً عسكرياً» وإنما «خارطة طريق» وقوفاً بجانب الشعب الليبى. وجاء رد القيادات الحكومية على تحرك «حفتر» بأن «كل الأمور تحت السيطرة». الأزمات التى تطحن ليبيا يومياً منذ 3 سنوات لم يُقدر لها أن تبقى محلية، فهى مرتبطة بمصر بخط حدود يمتد لمسافة 1049 كم من الفوضى، فصارت ليبيا مصدراً رئيسياً لتهريب السلاح لمصر ولدول وكيانات أخرى عبر الأراضى المصرية، فضلاً عن الاتجار فى البشر والهجرة غير الشرعية، وعمليات قتل وخطف واحتجاز تتعرض لها العمالة المصرية فى ليبيا بصورة شبه مستمرة.