والحياد هنا لا يعنى امتناعى عن التصويت فى الانتخابات الرئاسية، سواء فى جولتها الأولى أو فى جولة الإعادة المتوقعة، فأنا مقبل على المشاركة وأتمنى أن ترتفع معدلات مشاركة المصريات والمصريين لتتجاوز حاجز ال50 بالمائة الذى سجلناه بالانتخابات البرلمانية، بل المقصود بالوقوف على الحياد هو الابتعاد عن المناصرة الفعالة لأحد المرشحين للرئاسة والتركيز إعلامياً وعلى الأرض على توعية الناخب بأسس الاختيار الموضوعى وشرح المطلوب من الرئيس القادم دون تجاهل للاختلاف بين المنتمين لتيارات الإسلام السياسى والليبرالية واليسار. ولى فى موقفى هذا أسباب واضحة، أولها يرتبط بكونى عضواً بمجلس الشعب، وشق أصيل من مهامى عندما ينتخب الرئيس الجديد، سيكون مراقبته كرأس السلطة التنفيذية والحيلولة دون تغول سلطاته على المجلس التشريعى، وتستدعى مراقبة الرئيس التعامل معه باستقلالية وحيادية، والاندفاع اليوم نحو مناصرة مرشح فى الانتخابات الرئاسية ومعارضة البقية سيحد كثيراً من مصداقية الأمرين. والسبب الثانى هو كونى عضواً مستقلاً بمجلس الشعب الذى تسيطر على العدد الأكبر من مقاعده أحزاب لها فى السباق الرئاسى من يمثلها أو أعلنت دعمها لمرشح بعينه، وترتب على هذا تحول المجلس جزئياً إلى ساحة للصراع بين الأحزاب قبيل الانتخابات وأصبحنا من ثم فى مناخ شديد الاستقطاب تصعب معه ممارسة العمل التشريعى والرقابى بموضوعية، وأسجل من اليوم تخوفى من أن يستمر الاستقطاب لما بعد الانتخابات إن جاءت بنتيجة على غير هوى بعض الأحزاب، خاصة صاحبة المقاعد الوفيرة. وكعضو مستقل بالمجلس، اخترت الوقوف على الحياد، مع أعضاء آخرين، لكى نسعى بعد الانتخابات -وعلى الرغم من قلة عددنا- لنكون صمام أمان وصوت ضمير فى مواجهة الاستقطاب وصراع الأحزاب. والسبب الثالث هو إيمانى بحق الناخبة والناخب فى الاختيار الحر دون التعرض لتأثير مباشر من مشاركين فى العمل العام قد يثقون بهم، لى بالقطع انحيازاتى وتفضيلاتى التى تذهب باتجاه الدفاع عن الدولة المدنية وحقوق المواطنة المتساوية وتعلى من شأن البرامج المحددة المنوط بها إنجاز التحول الديمقراطى وتحقيق تنمية مستدامة فى مصر. ولى أيضاً هواجسى من سيطرة تيارات الإسلام السياسى على الحياة السياسية وخطر ذلك على فرص الديمقراطية، وأسجلها هنا علناً دون شيطنة للإسلاميين الذين أقدر الكثيرين بين صفوفهم. ولا أريد بالإعلان عن مناصرة مرشح أو العمل على الأرض لصالحه، وحتماً لن أقترب إلا ممن أراه ملتزماً بذات الرؤية ولو فى حدها الأدنى، أن أفرض انحيازاتى وهواجسى على بعض الناخبين الذين قد يثقون فى رأيى، تستحق الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة أن نمارس جميعاً الاختيار الحر دون مؤثرات، وأملى هو أن نختار بوعى أياً ما كان الاختيار وأن نحترم نتيجة الانتخابات أياً ما كانت طالما كانت العملية الانتخابية نزيهة وشفافة. للأسباب هذه، أقف على الحياد فى الانتخابات الرئاسية!