ولد بعد ميلاد النبى، صلى الله عليه وسلم، بنحو ست سنوات ودعاه صديقه أبوبكر الصديق لدخول الإسلام وأخذه ليستمع إلى النبى، فانشرح صدره للإسلام وكان من السابقين، حسنت سيرته وصحبته للنبى الأكرم، ومثلت حادثة استشهاده علامة فارقة فى تاريخ الإسلام كدين وكدولة إنه عثمان بن عفان نابغة بنى أمية وأوسعهم تجارة وأكثرهم ثراءً. إنه صاحب الهجرتين، فقد كان من أوائل الذين هاجروا بدينهم إلى أرض الحبشة، وكان فى مقدمة المهاجرين الذين هاجروا إلى المدينة. إنه ذو النورين الذى زوجه النبى اثنتين من بناته رقية، ثم أم كلثوم. إنه الكريم السخى الذى تستحى منه الملائكة فقد روى عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مضطجعاً فى بيته، كاشفاً عن فخذيه -أو ساقيه- فاستأذن أبوبكر، فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبوبكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: (ألا أستحيى من رجل تستحيى منه الملائكة)، إنه الصاحب فى المنشط والمكره أحد الذين بشرهم الرسول بالجنة والمبشرين بالشهادة، أنفق جل ماله فى سبيل الله، وقضى كل عمره فى صحبة النبى وصحبه الكرام من بعده. اختير خليفة بعد استشهاد الفاروق عمر بن الخطاب فى أول واقعة شورى لاختيار أمير المؤمنين من بين ستة مات الرسول وهو راضٍ عنهم سماهم عمر. جُمع القرآن فى عهده، وفُتح كثير من البلدان فى عصره، فتحولت الدعوة إلى دولة مكتملة الأركان واسعة النفوذ عظيمة الثراء، ومن هنا دارت ماكينة الخلافات وظهرت بوادر أول ثورة فى عهد الدولة الإسلامية انتهت بفتنة أدخلت البلاد والعباد فى دوامة القتل التى لم تنته وظهرت الفرق والحركات، وكتبت شهادة وفاة الخلافة الراشدة وصيغت شهادة ميلاد الملك العضوض. كان قميصه الذى استشهد وهو على جسده النحيل ذى الثمانين عاماً وأصابع زوجته «نائلة» المقطوعة فى حادثة استشهاده الذريعة التى فتحت بها أبواب الفتنة، وقول الحق الذى أريد به الباطل. أمر معاوية بن أبى سفيان بوضع القميص على منبر المسجد الكبير فى الشام، وطاف به رجاله فى الشوارع يحشدون الناس ويعبئونهم طلباً للثأر من قتلته، فكان له ما أراد وهو بالتأكيد لم يكن الثأر للخليفة الشهيد، بل كان طلب الملك العضوض الذى ناله واحتفظ به لبنيه من بعده. هو الخليفة الشهيد الذى كان معاوية يرى أن بداية الفتنة وقعت قبل أن يتولى أمر المسلمين فقد روى عن معاوية أنه قال لابن الحصنى حين وفد عليه: «ما الذى شتت أمر المسلمين وخالف بينهم؟» قال ابن الحصنى وكأنه أراد أن يوافق هواه: قتل الناس عثمان! قال معاوية: ما صنعت شيئاً، فعاد ابن الحصنى يقول: فمسرى طلحة والزبير وعائشة وقتال علىّ إياهم «يقصد موقعة الجمل». قال معاوية مرة أخرى: ما صنعت شيئاً، فقال الرجل: ما عندى يا أمير المؤمنين، فقال معاوية: فأنا أخبرك أنه لم يُشتت المسلمين ولا فرق أهواءهم إلا الشورى التى جعلها عمر إلى ستة نفر، وذلك أن الله بعث محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فعمل بما أمره الله به ثم قبضه الله إليه، وقدم أبا بكر للصلاة فرضوه لأمر دنياهم؛ إذ رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمر دينهم، فعمل بسنة الرسول وسار بسيرته حتى قبضه الله، واستخلف عمر فعمل بمثل سيرته، ثم جعلها شورى بين ستة نفر، فلم يكن منهم رجل إلا رجاها لنفسه ورجاها له قومه. ولو أن عمر استخلف عليهم، كما استخلف «أبوبكر» ما كان فى ذلك اختلاف. هكذا يرى معاوية رأس الدولة الأموية أسباب الفتنة دون أى ذكر لواقعة استشهاد ذى النورين وما تلاها من أحداث جسام، إنها كلمة السر فى الفتنة التى كان معاوية أبرز رجالها من وجهة نظره أن الشورى فتحت أبواب الخلاف إذ رجاها كل رجل من الستة الذين مات النبى وهو عنهم راض لنفسه ورجاها قومه لأنفسهم. ذلك ما كان فى نفس معاوية وبنو أمية معه وأمامه وخلفه؟! رحم الله ذا النورين شهيد الفتنة التى أرادها من أرادها وحصد ثمارها من خطط لها.