"وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين"، صدق الله العظيم. في سياق هذه الآية الكريمة، يمكنك أن تقرأ آخر إصدارات الشاعر والسيناريست أشرف توفيق، كتاب "بين سياسية الإسلام وسياسة الصندوق"، الصادر عن دار المصري للنشر والتوزيع، والذي شهد إقبالا واسعا من جانب جمهور معرض الكتاب، نظرا لما يتضمنه الكتاب من ربط "مركّز" بين ما شهدته - وتشهده - مصر على مدار السنوات الثلاث الأخيرة من صراعات وأحداث، أبطالها هم رموز "تيار الإسلام السياسي" بعد ثورة يناير، وبين رموز أخرى، في زمن آخر، ولا نقول في دين آخر (!)، حين كان الإسلام حقا وصدقا "دينا ودولة". إن كنت لا تقوى على قراءة مراجع وموسوعات تتضمن سيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكريم، فمن المؤكد أن كتاب أشرف توفيق الجديد سيفتح شهيتك على ذلك، خصوصا وأنه دقيق في اختيار مشاهد بعينها من السيرة النبوية والسنوات الأولى مما يمكن وصفه ب"التاريخ الإسلامي"، ليكشف لنا، أو قل يفضح التناقضات التي سقط فيها دعاة نصبوا من أنفسهم خبراء سياسة ودين في الوقت نفسه، فأضروا بالسياسة والدين معا، بعد أن اختصروا الدين في "صناديق تقول نعم"، وشوهوا صورة الإسلام الحنيف في عيون جيل، لا يتحمل مزيدا من التشوهات الروحية، ولهؤلاء يكتب "توفيق" تحت تساؤل صادم.. "لماذا يلحد المصريون؟" في عهد ظن البعض أنه سيكون فاتحة خير وتجديد وإحياء للدعوة. كتاب يستحق وصف "رسالة"، إلى شباب تيار الإسلام السياسي بالدرجة الأولى، ومن بعدهم شباب جيلنا الذين تشوهت الصورة أمامهم في ما يمكن وصفه بأنه "بث مباشر" لسنوات سقوط حلم "الدين والدولة".، والأهم أنها رسالة من كاتب نحسبه على خير، لا يقصد من وراء كتابه أي شماتة في مصير أي تيار، وإنما يقدم المعلومة التاريخية ويعيد تأويلها بربطها بما يمارسه شباب تيار الإسلام السياسي حاليا، ليجد كل منهم نفسه أمام أسئلة حرجة، محرضة على المراجعة الإيجابية: هل التزمنا نحن أولا بما ندعوا الناس إليه؟ هل قدمنا نماذج مشرفة تشجع الناس على الدفاع عما وصفناه ب"المشروع الإسلامي"؟ "هل يقبل الله تقربنا إليه بالدم؟" سؤال يطرحه الكاتب، قبل أن يفضح تناقضات المشهد في إجابته، بقوله إن "إيمان البعض بحرمة الدم وحرمة قتل المسلم أو غيره، يتوقف على مدى قرب القاتل والمقتول من معتقداتهم"، وهي إجابة تجدها متجسدة حاليا في الجدل العقيم بين أنصار القوى السياسة "هذا شهيد وذاك قتيل، الجنة لفلان والنار من نصيب فلان"، حتى وإن كان الفعل واحد، وهي تناقضات متكررة يرصدها أشرف توفيق بحسه الساخر المعهود، في مقارنات ذات دلالة من نوعية "لحومهم المسمومة ولحومنا المشوية"، و"مليونيات غزوة حنين". تحية إلى دار المصري للنشر والتوزيع، ومديرها النشيط يوسف ناصف، وتحية للمبدع "البسيط، العميق" أشرف توفيق على هذا الكتاب الذي يستحق الاقتناء، لا مجرد القراءة لمرة واحدة، وإنما لإعادة القراءة بين فترة وأخرى، لأن ما به من مشاهد، تستحق "التذكير" الذي ينفع المؤمنين.