في مقالاتي الأسبوعية إن شاء الله سأتناول أمور تتعلق بقضية عالمية الانتشار وشخصية التأثير، فهي تمس صحة كل كائن، ألا وهى التلوث بأنواعه، والذي تعانى منه دول العالم دون فرق بين شمالها وجنوبها، أو غنيها وفقيرها أي متقدمها ومتأخرها، فالكل يُعانى من أشكال التلوث المختلفة التي تُحدثها الطبيعة أو التغيرات المناخية والأنشطة السكانية وجهل وجشع وسلوك الإنسان. فالتلوث قضية أمن قومي وأممي، قضية بقاء أو فناء. فلنبدأ أول مقالاتي بالعنوان الحالي " السموم الفطرية وصحة الإنسان والحيوان " والذي سيمتد لمقالات أخرى متتابعة حتى تكتمل قصة السموم الفطرية في الأذهان ببساطة، ثم نتحول لموضوعات أخرى. الفطريات منها كبير الحجم المرئي بالعين المُجردة، ومنها الميكروسكوبي، ومنها المفيد، ومنها السام والقاتل0فمن الفطريات المستخدمة في تغذية الإنسان فطريات الكمأة، والتي قال عنها الرسول الكريم صلوات الله وتسليماته عليه وآله: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين"، وهى من أشهى أنواع الغذاء البرى، ومن الأطعمة الفاخرة في أوربا، وتُعرف في منطقة الشرق الأوسط باسم الكمأة أو الفجع، وتُستخدم لإعادة الشباب والفحولة0ويستخدم عيش الغراب كمصدر غنى بالبروتين، فأُطلق عليه اللحم الفطري. وعيش الغراب أحد الفطريات الجذرية، ويسمى بالفطريات الخيشومية، ومنها جنس الأجاريكس (مشروم الحقل)0 وتدخل الخمائر (الفطريات) في صناعة المخبوزات والنبيذ واليوغورت (زبادي)، وتُنتج الفطريات كثير من المُضادات الحيوية، والمستحضرات المستخدمة في منع الحمل، أو في تثبيط المناعة عند نقل الأعضاء (وإن كان مُسرطن)، وفى مقاومة الأورام الخبيثة، وفى وصفات لتفتيح لون البشرة0 ولكن من الفطريات ما يُصيب المحاصيل الزراعية بالتلف (25% من الإنتاج المحصولى السنوي للحبوب)، ويُصيب النباتات والحيوانات والإنسان بالأمراض المُعدية، وبتسممات بالسموم التي تنتجها الفطريات السامة، وتضر بعضو أو أكثر من أعضاء الجسم0 فهناك فطريات تؤدى إلى عفن الأغذية والأعلاف، أو عفن نسيج من أنسجة جسم الحيوان والإنسان أو النباتات، فتهلك المحاصيل وتضُر بصحة وإنتاج الحيوان والإنسان أو النبات، وتُفرز الفطريات السامة مئات من المُركبات الكيماوية التي تُعرف بالسموم الفطرية، وهى نواتج التمثيل الغذائي الثانوي للخلايا الفطرية في (وعلى) الأغذية والأعلاف المختلفة، فتؤدى إلى تسمم من يأكلها، ويكون التسمم في شكل أعراض مرضية بأي من أجهزة الجسم المختلفة، إذ يستهدف كل توكسين عضو معين ليصيبه0 ولا توجد عادة سلعة غذائية لا يُصبها الفطر، وتوجد الفطريات معا (عديد من الأنواع والأجناس) عند إصابتها لسلعة ما في شكل عدوى مختلطة (من عديد من الأجناس والأنواع الفطرية)، ويفرز النوع الفطري الواحد عديد من السموم، وينتُج السم الواحد كذلك من عديد من الأنواع الفطرية0 وأشد ما يُؤثّر على نمو الفطر وإنتاج التوكسين هو محتوى الرطوبة، سواء في السلعة أو في الوسط المحيط بها0 فتسبب البيوت الرطبة في نمو فطر البنسليوم الذي يؤدى لأعراض تشبه أعراض حُمى الربيع، كحكة العين والرشح، خاصة مع سُوء التهوية، كما تؤدى رطوبة المنازل سيئة التهوية كذلك لنمو فطر ستاكيبوتريس الذي يؤدى لزغللة العين والغثيان وانفجار الشعيرات الدموية0 وكذلك المكتبات القديمة سيئة التهوية تنتشر بها الفطريات التي تُسبب الحساسية الصدرية والأمراض الجلدية، مما يُضطّر معه لرش المبيدات الفطرية، والتي قد تؤدى للسرطان0 وتنتشر الفطريات في أجهزة التكييف، وفى ورش الخشب، وفى مصانع العلف، وفى التُراب والهواء، وعلى الحشرات، وعلى أحجار المعابد القديمة، مما أدّى إلى تدهور الأحجار وسُوء ألوانها، إذ تمتص الفطريات (أسبرجلس نيجر) العناصر الثقيلة، كما تمتص كميات محسوسة من المبيدات عضوية الفوسفور0 فعُزلت فطريات من أحجار معبد أبيدوس (مع بكتيريا) تساهم في عمليات تدهور المعبد، لإنتاجها أحماض وأكسدتها للمعادن، مما يعمل على تآكل الأحجار وإتلاف ألوانها0 كما تصيب الفطريات أوراق النقد، وهواء المكتبات، وتُحلّل ألياف ورق الكُتب والمحفوظات، وتُصيب الأقراص المرنة والصلبة للكمبيوتر، فتُلوث الأيدي بالفطريات وسمومها0 ويؤدى نمو الفطريات (حتى المستخدمة في المقاومة البيولوجية) إلى إنتاج مركبات سامة (سموم فطرية). تأثيرات السموم الفطرية: وإذا كانت بعض سموم فطريات الفيوزاريوم سامة للنباتات، فإن البعض الآخر من سموم فطريات الفيوزاريوم أيضا سام وراثياً، ومُسرطن ، أو سام عصبياً ومناعياً، و الآخر تأثيراته سلبية على القلب والأوعية الدموية0، أويُتلف سُوق النباتات لأنه سام نباتيا فيؤدى إلى ذبول النباتات، فهو مبيد عشبي، علاوة على شدة سُميته للثدييات0 أما الأفلاتوكسين فمن سموم فطريات الأسبرجلس، وهو سام ومُسرطن، وأحد أسباب السرطان الناشئ عن التدخين هو احتواء الطباق على الأفلاتوكسين، فالأفلاتوكسين 200 مرة أشد سرطانية عن البنزبيرين المُسرطن الناشئ عن حرق الطباق بالتدخين0 الفطريات والسموم الفطرية والأغذية: عُزلت الفطريات السامة من الزبدة الخام المصرية، والتي أنتجت السموم الفطرية (أفلاتوكسين وباتيولين) بأعلى تركيزات، مما يُهدد الصحة العامة، لوجود مثل هذه الفطريات السامة0 كما ثبت وجود الفطريات (والبكتيريا) في كل أنواع الجُبن المطبوخ (المدروسة)، إضافة للأفلاتوكسين بتركيز عال جداً (15.0 – 26.3 جزء/بليون مادة طازجة أو 28.2 – 51.0 جزء/بليون مادة جافة)0 ووُجدت السموم الفطرية في الأتربة المُتجمّعة في نُظم التهوية المكتبية للمباني، مما أدى لإصابة العاملين بعرض مرضى مرتبط بالمباني0 ومن السموم الفطرى ما يُثبط تخليق الحمض النووي DNA والبروتين0 فهذه التوكسينات تضر بالخلايا الجسمية والجرثومية (الجنسية). ومن السموم الفطرية ما يؤدى إلى حدوث الغنغرينا بطول فترة التعرض للتوكسين. وتزيد درجة حرارة الجو من الأعراض، وأظهرت بعض الإضافات الغذائية قُدرتها على خفض آثار التسمم، ومنها الجلوكومانان المؤستر، والبنتونيت، وسليكات المونيوم الصوديوم والكالسيوم المهدرجة، وزيوليت الصوديوم، وزيوليت الكالسيوم، وإن كان الأوليان أفضلهم0 العوامل المؤثرة في إنتاج السم الفطري: 1) وراثية تتعلق بالفطر وسُلالته وقُدرته الوراثية0 2) بيئية ومنها: أ) المادة النامي عليها الفطر، ومحتواها الغذائى0 ب) الرطوبة للمادة النامي عليها الفطر، والرطوبة النسبية للوسط0 ج) درجة الحرارة الوسط0 د) محتوى جو الوسط من غاز الأوكسجين (لازم لنمو الفطر)، بينما ثاني أكسيد الكربون يحد من إنتاج التوكسين0 ه) التلف الميكانيكي للحبوب يُسهّل الغزو الفطري وإنتاج التوكسين0 و) الإصابات الحشرية تُسهّل من الإصابة الفطرية وإنتاج التوكسين0 ز) زيادة جراثيم الفطر تُراكم من إنتاج التوكسين0 ح) نمو الفطريات غير السامة يعوق إنتاج الفطريات السامة0 ط) وجود بكتيريا معينة قد تعوق من نمو الفطر وإنتاج السم0 ى) الزمن عُنصر هام في إنتاج التوكسين، وبعد زمن معين (عند أقصى تركيز للإنتاج) تقل قُدرة الفطر على إنتاج التوكسين بعده0 ك) انخفاض سُمك طبقة المحصول (عن 50 سم) الذي يتم تجفيفه يُخفض جداً من إنتاج التوكسين لحد العدم0 تأثيرات السموم الفطرية: تتعدد تأثيراتها، وتختلف باختلاف التوكسين وجرعته وفترة التعرض له، إذ أن بعضها تأثيره: * مُسرطن (أفلاتوكسين – زيارالينون – تريكوثيسينات)0 * سام للكبد (أفلاتوكسين – فيومونيسين)0 * سام للكُلى (أوكراتوكسين – سيترينين – أفلاتوكسين)0 * سام للأعصاب (فوميتوكسين)0 * مُضاد حيوى (سيترينين – باتيولين – جليوتوكسين – حمض هبتيليديك)0 * إستروجينى (زيارالينون – السم ت2)0 * غنغرينا (إرجوت). * على تخليق البروتين (أفلاتوكسين)0 * على الأغشية المُخاطية0 * على الأوعية الدموية (إرجوت – السم ت2)0 * سام للجلد (السم ت2). * سام للجهاز التنفسي (الجليوتوكسين)0 * هرموني (حمض الفيوزاريك يخفض تركيز الميلاتونين)0 * مناعي (الجليوتوكسين يثبط الجهاز المناعى – وكذلك الفوميتوكسين)0 * وراثي (زيارالينون – أفلاتوكسين)0 وسنتناول إن شاء الله في المقال التالي استكمال قصة السموم الفطرية من حيث تأثيراها على أنسجة الجسم المختلفة، ثم نركز على أخطر السموم الفطرية وأكثرها انتشارا (الأفلاتوكسين، أوكراتوكسين، فيومونيسين) * أستاذ بكلية الزراعة جامعة المنصورة