استفزنى ما ردده المناضل حمدين صباحى فى برنامج «نقطة نظام» على قناة «العربية»، مؤخراً، عن تخوفه إذا ما انتُخب رئيس من الجيش (يقصد السيسى)، ولم يحقق مطالب الشعب واضطرت الجماهير للثورة ضده ففى هذه الحالة قد ينحاز الجيش للرئيس العسكرى ويصبح الجيش فى مواجهة الشعب لأول مرة فى تاريخه. للأسف فإن هذه الرؤية الساذجة رددها بعض من يسمون أنفسهم «ثوارا» خلال الفترة الماضية فى إطار تبريرهم لرفض ترشح «السيسى»، وكنت أربأ ب«صباحى» أن يسير وراءهم إلا لو كان منهجا متفقا عليه، لعدة أسباب أولها أن الجيش انحاز للشعب ضد قائدهم الأعلى الرئيس الأسبق حسنى مبارك من قبل رغم أنه من قادة حرب أكتوبر الأكفاء وهو ما فعله الجيش من قبل فى وقائع عديدة آخرها 30 يونيو، وبالتالى فإن رجال هذا الجيش العظيم يؤمنون بعقيدة الانحياز للشعب أيا كان الحاكم.. وإذا كانت الأضواء قد سلطت على «السيسى» بشكل أكبر بعد ثورة 30 يونيو فيما قبلها كان البعض يتهمونه بأنه إخوانى فإن «السيسى» قد عكس مواقف وتوجهات وإيمان قادة المجلس العسكرى وضباط الجيش فى ربوع مصر كلها.. ولا يجب أن ينسى أحد دور قادة المجلس العسكرى الفريق صدقى صبحى والفريق عبدالمنعم التراس، والفريق يونس المصرى، واللواء أحمد وصفى، واللواء أسامة عسكر، واللواء توحيد توفيق، واللواء محسن الشاذلى... وغيرهم، حتى آخر جندى فى القوات المسلحة، الذين لا يجب أن يشكك أحد فى وطنيتهم، والأهم أن يتأكد الشعب كله أن الجيش هو مصنع الرجال ومدرسة الوطنية المصرية وانحيازه الدائم للشعب وليس للحاكم أيا كان قائده، وبالتالى فإن تخوف «حمدين» وثواره ليس له محل من الإعراب إلا استخدامه فى منع «السيسى» من الترشح، وهذا معناه منع وحوش مصر من قادة الجيش من الوصول لمنصب رئيس مصر. الأغرب أن الناس يختارون الرئيس لأسباب موضوعية ولا يمكن بناء بلد بمبدأ التشكيك والاستثناء وكأن الأصل فى الأمور أن يقوم الناس بثورة على الرئيس.. فهل يمكن اختيار رئيس على مبدأ استثنائى؟! كلمات «حمدين» سقطة ما كان يجب أن يرددها لأنها إهانة -أعتقد غير مقصودة- لجيش مصر، وإذا كان من أهم ملامح ثورة 30 يونيو مساندة التيار الناصرى للجيش ودفاعه عنه فلا يمكن شق الصف مرة أخرى لأهداف انتخابية رغم رهانى على أن «صباحى» لن يقبل بأى حال تقسيم حلف 30 يونيو حتى لو تنازل عن طموحاته المشروعة.. وأخشى لحين إعلان قرار «صباحى» بعدم خوض الانتخابات الرئاسية أن يترك بكلماته وأعوانه «غُصّة» لدى الشعب باستهدافهم للجيش، حيث أصدر التيار الشعبى -الذى يتزعمه «صباحى»- بيانا منذ أيام اعتبر فيه بيان الجيش الأخير تدخلا فى الانتخابات الرئاسية بما يتنافى مع الدستور والأعراف الديمقراطية وأنه لم يكن له أى داع ولا مبرر من الأساس، كما عبر التيار الشعبى فى البيان ذاته عن احترامه للسيسى واعتبر بقاءه فى منصبه وزيراً للدفاع ضمانة لمصر وللثورة. يبدو أن التيار الشعبى قرر أن تعيش مصر فى ثورة للأبد أو بمعنى أدق حتى وصول «صباحى» للحكم لأنه المعبر والحامى والمتحدث باسم الثورة «كما يصفونه».. ولما يرد «حمدين» نفسه إذا انحاز برنامج السيسى للثورة سأنتخبه أو يحاول أنصاره تسميته «مرشح الثورة» وهو نفس الوصف الذى كان يروجه الإخوان عن «مرسى»، مع تقديرى للفارق بينهما. «صباحى» يعيش فى أزمة بين طموحاته التى اعتقد أنها قد اقتربت بعد سقوط «مرسى» وامتناع «موسى» و«شفيق»، وتعرض «صباحى» لأكبر عملية تشويه أثناء حكم الإخوان، بالإضافة إلى ارتباط بعض المجموعات الشبابية به ودفعهم له للترشح، وبين إدراكه لشعبية «السيسى» وتفهمه لخطورة شق صف حلف 30 يونيو واستيعابه لمخاطر الأمن القومى الحالية.. لكنى أثق بأن خبرته السياسية والشعبية وتاريخه وحبه ل«عبدالناصر» ستحسم القرار النهائى.. وإنا لمنتظرون!!