تخوض مصر حربها الثانية ضد الإرهاب، وهى حرب أشد ضراوة من حربها على الجماعة الإسلامية التى استمرت 18 عاماً انتهت بهزيمة قاسية للجماعة، وإعلانها وقف كل أعمال العنف من جانب واحد، وتجريم كل أفعالها السابقة ابتداء من اغتيال الرئيس السادات إلى سرقة محلات الذهب، إلى استهداف السياحة وتخويف الأقباط، رغم أن الحرب كانت تدور بين حكم مبارك والجماعة، وكان الشعب خارج المواجهة، إلى أن بدأت الجماعة الإسلامية توجيه عملياتها إلى مصالح الناس وأرزاقهم، وانتفض الشعب يطالب باجتثاث الإرهاب، ولفظت الجماعة أنفاسها فى معركة جسورة خاضتها الشرطة المصرية ببسالة بعد أن قدمت تضحيات هائلة. وربما لا نعرف على وجه الدقة متى تنتهى هذه الحرب الجديدة التى استخدمت فيها جماعة الإخوان وحلفاؤها من تنظيم القاعدة السيارات المفخخة فى ست عمليات كبيرة، استهدفت أهدافاً أمنية فى الإسماعيلية وجنوب سيناء والمنصورة وأنشاص وعين شمس وشارع مصطفى النحاس حيث جرت محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم، كما وزعت قنابلها اليدوية الصنع على عشرات الأهداف داخل العاصمة وخارجها، واستخدمت كل الأسلحة بما فى ذلك الآلى والخرطوش تستهدف ترويع المصريين، كما اختطفت لأول مرة قطاراً فى محاولة لترويع ركابه، لكن الأمر المؤكد أن المواجهة لن تطول كثيراً قبل أن تعلن جماعة الإخوان استسلامها او انسحابها من المواجهة، لأن الظروف اختلفت على نحو جذرى عن حرب التسعينات من القرن الماضى، حيث تواجه جماعة الإخوان الآن الشعب المصرى بأكمله كما تواجه الشرطة والأمن والقوات المسلحة وكل مؤسسات الدولة ابتداء من القضاء إلى الإعلام، إضافة إلى معظم مؤسسات المجتمع المدنى، فى جبهة داخلية صلدة وقوية يتقدمها الشعب، ترفض إرهاب الجماعة وتشتبك معها فى معارك شبه يومية، تجرى فى الهرم والطالبية وعين شمس والألف مسكن، لم ترهب المصريين الذين نزلوا للشوارع بالملايين فى احتفالات أعياد الميلاد ويومى الاستفتاء على الدستور وفى الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة يناير فى جسارة فائقة، ترفع الأعلام وترقص وتغنى، ويرتفع هتافها إلى عنان السماء يهز ميادين الثورة فى صيحة واحدة تطالب للمرة الأولى بإعدام أفراد الجماعة. ولأن جماعة الإخوان تصر على أن تعيش فى عالمها الافتراضى، وتهرب من الواقع خلف حالة إنكار كامل تتلبسها، دون أن تعى مخاطر أن يبغضها الشعب إلى حد المطالبة بإعدام أفرادها، وتتصور وهماً أنها لا تزال أقوى من الدولة والشعب والجيش والشرطة، وأنها يمكن أن تخوض معركة شاملة ضد المصريين تحيل مصر إلى خراب كما حدث فى سوريا لا قدر الله، فإن الجماعة سوف تمضى أغلب الظن فى تصعيد عملياتها الإرهابية، تقتل وتدمر وتخرب وتستخدم السيارات المفخخة، دون أن تدرك أنها تمضى إلى حتفها معصوبة العينين فى عملية انتحار جماعى، لأن المصريين الذين عيل صبرهم من جرائمها لم يعد أمامهم سوى أن يطاردوا أفراد الجماعة فى كل حى وشارع وحارة وزقاق. بينما يلتزم قادتهم الخرس داخل سجونهم، يدفعون شبابهم كل يوم إلى المزيد من التهلكة فى معركة خاسرة دون أن تهتز شعرة من ضمائرهم.. وإذا جاز لقبضايات الجماعة من أمثال الشاطر والبلتاجى والعريان الخرس على ما يحدث، فهل يجوز ذلك لمرشد الجماعة محمد بديع الذى يتحمل وزر المأساة بأكملها، لأنه اختار طريق الشر منذ خطاباته التحريضية على منصة رابعة العدوية، وحاد عن صحيح الإسلام، وسلك طريق العنف والإرهاب وسفك الدماء، ولبس ثوب الشيطان عوضاً عن ثوب المرشد، عندما اختار لجماعته أن تكون الفئة الباغية التى يحق للمسلمين قتالها إلى أن تفىء إلى أمر الله أو تتجرع كأس الهزيمة المرة. خرس مرسى الذى أصيب فى محبسه بالكمد بعد الاستفتاء على الدستور، وتنتابه بين الحين والآخر نوبات فزع مصحوبة بتشنج حاد، يصرخ ويهدد ويتوعد بما لا يستطيع، ثم يدخل فى نوبة بكاء هستيرى تصل به إلى حد الإعياء، اكتفاء بتصريحات ابنته التى اتهمت نساء مصر الفاضلات بأقذع السباب، واعتبرتهن غارقات فى الذل والنجاسة، يعشقن القهر والاستبداد، لأنهن خرجن إلى الاستفتاء بأعداد كثيفة لفتت الأنظار! وخرس الشاطر اكتفاء بتصريحات قرينته التى توعدت المصريين بأكثر من عشرين ألف مقاتل يقفون على أبواب مصر، ينتظرون لحظة دخول المعركة ليضاعفوا من قوة ميليشيات زوجها التى أفصحت أخيراً عن هويتها الحقيقية، بدلاً من أن تتستّر تحت لواء جماعة غير موجودة تتسمى باسم أنصار القدس.. وإذا جاز للمرشد أن يصمت لأنه متورط لأذنيه فى هذه المأساة، فلماذا يصمت هذا الطابور الطويل من أنصار الجماعة ومنافقيها ابتداء من العوا إلى يعقوب وحسان؟ وحده ياسر برهامى، رئيس حزب النور، الذى ملك شجاعة أن يقول كلمة حق فى وجه جماعة ظالمة، صناعتها على امتداد 80 عاماً أن تخرب عقول الشباب، تربيه على العنف وتحرضه على الدولة وتدفع به إلى المعتقلات والسجون، لأنها فى الأصل جماعة تكفيرية إرهابية، لا تعرف معنى الوطن وتتصوره مجرد ممر وبرزخ لحلم الخلافة المستحيل. سوف تستمر الجماعة فى بغيها، وسوف تزداد شراسة كلما اقترب استحقاق الانتخابات الرئاسية، لعلها تستطيع وقفها أو إرجاءها، لأنها تعرف أن الانتخابات الرئاسية خطوة مهمة فى خارطة الطريق، تفتح أبواب الأمن والاستقرار لمصر الجديدة، وتعرف أن المصريين سوف ينزلون إليها فى حشود هائلة تفوق حشود يومَى الاستفتاء، وتعرف أن وجود رئيس منتخب بأغلبية ساحقة تتضاءل أمامها أصوات الرئيس المعزول المطعون على صحتها، سوف يقطع دابر الأمل فى أن تنهض الجماعة من جديد.. ولأن مصر تواجه حرباً حقيقية لن تتورع جماعة الإخوان وحلفاؤها عن استخدام كل صور العنف والإرهاب، بما فى ذلك السيارات المفخخة وترويع الناس فى الشوارع والقيام بعمليات اغتيال واسعة تستهدف رجال الأمن والشرطة والإعلام تساندها قوى خارجية أبرزها قطر التى تمنح قيادات الجماعة الهاربين من مصر ملاذاً آمناً، وتنفق بسفه على الجماعة، تموّل عملياتها الإرهابية وتشترى ذمم العملاء والخونة، وتدفع الملايين من الدولارات لشركات العلاقات العامة من أجل تشويه الصورة فى مصر. وفى مواجهة هذه الحرب الجديدة لا بديل عن حكومة جديدة قوية، تعرف أنها تخوض حرباً شرسة ضد جماعة إرهابية لا ينقصها المال والإمكانات، تعامل الموقف بصرامة كاملة وتسد كل الثغرات التى يمكن أن ينفذ منها الإرهاب، وتتعلم أولاً بأول من أخطائها السابقة، تعزز قدرات الأمن والشرطة بكل الإمكانات التى تساعدها على إحباط جرائمهم قبل أن يبدأ تنفيذها، كما تملك شجاعة تطبيق القوانين التى أصدرتها حكومة الببلاوى ولا تزال حبراً على ورق، وتتخذ كافة الإجراءات التى تتطلبها حالات الحرب والطوارئ بما فى ذلك المحاكمات العاجلة، وفرض حالة الطوارئ بكل إجراءاتها المطلوبة واللجوء إلى المحاكمات العسكرية إن تطلب الموقف ذلك، لا تأبه كثيراً بما تقول قوى الخارج، وتركز همها الأول على هزيمة الإرهاب ودحره فى أقصر فترة زمنية، وتتخذ إجراءات واضحة ورادعة فى مواجهة الدول التى اجترأت على أمن مصر وعاونت جماعات الإرهاب، وفى مقدمتها قطر، وتعرف جيداً أنه لا مكان للتردد فى اتخاذ القرار أو القبول بحلول وسط تطيل أمد الصراع، لأن الخيار بات واضحاً بين مصر القوية الآمنة ومصر الضعيفة الإرادة التى يمكن أن تذهب إلى طريق الجزائروسوريا لا قدر الله. وبرغم ما حدث يومَى الاستفتاء وخلال الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة يناير، لا تزال قوى الخارج وصحافته ترفض رؤية كامل الصورة فى مصر رغم خروج المصريين الحاشد، وتعمى عن فهم أسباب إصرار الشعب المصرى على رفض حكم جماعة الإخوان، ولا تعى المعنى الكامل لهذا الابتهاج الواسع من جانب معظم المصريين لأنهم تخلصوا من حكم الجماعة، وتتقلب غيظاً لأنها فقدت حليفاً مهماً تواطأ على مصالح وطنه، وقبل تصفية القضية الفلسطينية الذى ظل يرفع شعاراتها على مدار 80 عاماً.. تعانى الحيرة والعجز والتردد بعد أن فقدت قدرتها على الإمساك بدفة الأمور، لأن المصريين الذين أسقطوا حكم الجماعة الفاشية فى 30 يونيو أسقطوا فى اليوم نفسه مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأسقطوا هيمنة الأمريكيين على مقدرات البلاد، وانحازوا إلى خارطة طريق صحيحة، تبنى دولة ديمقراطية مدنية تقوم على حكم القانون وتملك إرادتها الحرة المستقلة.