شاهدت المستشار عدلى منصور للمرة الأولى خلال احتفالى الشرطة والجيش منذ أيام.. وشعرت أننا قصّرنا فى معرفة شخصية هذا القاضى الذى حبا الله مصر به فى فترة صعبة وحرجة كانت فيها أحوج ما تكون إلى العدل وقبله الرحمة. لقد غامر الرئيس المؤقت بحياته عندما قبل تولى المسئولية فى فترة ضبابية، والمؤكد أنه شعر وقتها بأن الهروب من المسئولية خيانة، خصوصاً أن الرجل ضرب أروع الأمثلة فى الزهد خلال الأشهر الماضية، فلم نسمع عنه تكالباً على مغانم السلطة ولم نعرف لأبنائه مزايا أو استثناءات، بل إن الجميع يعرف مدى زهد الرجل فى منصبه، لدرجة جعلته محل انتقاد الكثيرين، حيث اعتقد أن مجرد تفويضه للحكومة بمعظم الاختصاصات كفيل بتحقيق مطالب الشعب، لكن الحكومة خيّبت أمل المصريين. لقد كان بكاء الرئيس فى حفلتى الشرطة والجيش بسبب الشهداء، وعندما سلم الأرامل الأوسمة، مشهداً يجزم بأن مصر أمام رئيس مختلف، ففى كل المناظرات السابقة حول مواصفات الرئيس تبارى الفلاسفة فى تقديم صفات مثل الحسم والرؤية والخيال، وتناسوا الأهم من ذلك كله أن يكون إنساناً. يتحاكى كل من يعمل فى «الاتحادية» عن أخلاقيات «منصور» وتواضعه وخلوته لقراءة القرآن وسلوكياته النابعة من صحيح الإسلام دون تجارة أو مزايدة.. كما أن الرجل كان وما زال أفضل رسول لقضاة مصر الشرفاء الذين تعرضوا لأكبر حملة تشويه خلال حكم الإخوان، فاستطاع أن يتعامل بقيم وتقاليد القضاء الشامخ ويتمسك بعدم اتخاذ أى إجراءات استثنائية أو خارج القانون، وعندما يخاطب الشعب فإن بساطة أسلوبه وكلماته القصيرة وحسن أدائه وصدق مشاعره تصل به إلى المواطن دون فذلكة أو رقابة، وأعتقد أنه أفضل من يدافع عن الدولة المصرية، وليته يحدث الشعب دائماً أفضل بكثير من متحدثه الصحفى «العابس» السفير إيهاب بدوى. لقد التقى «منصور» مع قيادات سياسية كثيرة لإقرار خارطة الطريق الجديدة، واستمع إلى الجميع وخرج كثيرون منهم يشيدون بحكمته، لدرجة أن الرجل عندما طالب بتحصين البرلمان المقبل واعترض كثيرون أبرزهم المستشار أحمد الزند تراجع عن اقتراحه وقال ««أنا آسف».. وهى ثقافة جديدة للاعتذار يقدمها رئيس الجمهورية لم يعتَدها الشعب المصرى من قبل. من حسن حظ المصريين أن أرسل إليهم من يرحمهم ويشفق عليهم ويسعى إلى العدل، وفى نفس الوقت يحافظ على الدولة وثوابتها ويبكى لشهدائها وزوجاتهم وأبنائهم، وهو غير طامع فى سلطة، ويتحمل سخافات السياسة وترهل الحكومة وأمور كثيرة لم يتعود عليها فى محراب القضاء. لقد أعطى المستشار الإنسان عدلى منصور درساً للمصريين فى تحمل المسئولية دون مغانم.. وإدارة الدولة بلا استثناءات.. والإخلاص بغير مطامع.. وأعتقد أنه يحظى الآن بشعبية كبيرة بين بسطاء المصريين الذين قدّروا دور الرجل فى هذه المرحلة الحرجة.. وسيظلون يتذكرونه كثيراً بالخير عندما يودعهم بعد أشهر قليلة، سواء إلى المحكمة الدستورية أو إلى منزله.. سيقول عنه الكبار والصغار: «كان عندنا رئيس إنسان»!