وسط حالة الضجيج التى تجتاح المشهد بين قوى غاربة وقوى قادمة، كانت هناك دعوة للقاء فكرى هادئ فى العاصمة الأردنية عمان، نظمه مركز القدس للدراسات السياسية، الذى يديره المفكر الأردنى عريب الرنتاوى، كانت مصر حاضرة بممثلين لكافة التوجهات، مع وفود من نحو عشر دول عربية من اليمن إلى المغرب مروراً بالسودان، فضلاً عن بلاد المشرق، وكان العنوان «الإسلاميون والعلمانيون: نحو رؤية توافقية لاجتياز مرحلة الانتقال للديمقراطية»، وكانت فرصة لأن نقترب من الأطروحات المختلفة بشكل مباشر، وقد استفدت على المستوى الشخصى فى الوقوف على مواقف العديد من القوى السياسية خاصة فيما يخص الإسلاميين، كيف يفكرون وإلى أين يتجهون، خاصة أن اللقاء لم يكن عرض أوراق بالشكل التقليدى لكنه كان مصمماً على شكل مائدة مستديرة سيطر عليها تداول الأفكار والرد عليها فى حوار مفتوح اقترب من العصف الفكرى والمكاشفة الهادئة والموضوعية، فى غياب الإعلام الذى يشيطن الكلمات التى تتحسب لردود فعل المريدين والمتربصين معاً. وهو لقاء يحتاج إلى أكثر من مقال لتحليل المواقف والأوراق والشخوص، وهل هناك أمل فى بلورة رؤية توافقية بين الفرقاء بحسب ما جاء بالعنوان الرئيسى؟ أم أنه يحمل محاولة لعودة الذين خرجوا من المشهد مجدداً فى دول الربيع العربى، وهل سننتهى إلى اتفاق موضوعى بين الفرقاء ينتقل من سياقات المونولوج إلى الديالوج، أم سنظل أسرى عدم القبول المتبادل تأسيساً على قواعد أيديولوجية ومصالح وتحالفات استقرت وتمترس كل فريق خلفها؟ وما موقع التحالفات التى امتدت عند البعض لتتجاوز حدود الأوطان حتى لو كانت ضدها؟ كانت لغة الإسلاميين تبريرية فى تفسير إخفاق فصائلهم التى نجحت فى الوصول للحكم، بينما كانت لغة العلمانيين أو للدقة المدنيين محملة بقدر كبير من الشك فى الطرف المقابل سواء فى صدق الطرح، وغياب الرؤية المستقبلية، بل وغياب الرغبة فى قبول مشاركة القوى المدنية. على أن اللقاء شهد مداخلات قيمة تحمل رؤية محملة بالخبرة من الزعيم السودانى الصادق المهدى الذى قدم تحليلاً وحلولاً للواقع والمستقبل، والأمير الحسن بن طلال الذى قرأ الواقع وجذوره التاريخية، فيما حاول إسلاميو تونس النيل من العلمانيين فى إعادة إنتاج لمفاهيم التكفير والتخوين ومعاداة الدين، وكان التنوع من نصيب الحضور المصرى المتراوح بين الأستاذ عصام شيحة، عضو الهيئة العليا والمستشار السياسى والقانونى لحزب الوفد (الليبرالى)، والدكتور بسام الزرقا، نائب رئيس حزب النور (السلفى) للشئون السياسية. وقد طالبت المؤتمر فى جلسته الختامية بأن يتضمن بيانه الختامى فى توصياته أربعة أمور: - دعوة التيارات الإسلامية لإصدار وثيقة تحدد رؤيتها للمصطلحات السياسية محل الجدل والتى تشكل محاور الدولة الحديثة: الوطن، المواطنة، الديمقراطية، تداول السلطة، قبول الآخر. - إعلان رفض المؤتمر لسياسات وأدبيات الإقصاء المتبادلة على كافة المستويات والاتجاهات. - إعادة النظر فى تقييم التيارات المدنية لغيرهم على أرضية أيديولوجية «تخويناً»، فى مقابل عدم القبول بتقييمهم على أرضية أيديولوجية مقابلة «تكفيراً»، وترجمة هذا فى أدبيات الفريقين لبناء جدار الثقة مجدداً. - عدم القبول بالقفز على المراحل، فيما يتعلق بالمصالحة والتى تأتى كخاتمة لسلسلة مراحل وجوبية فى منظومة العدالة الانتقالية التى تشمل: رصد الاعتداءات الجسيمة على حقوق الإنسان وتحديد فاعليها وتقديمهم للعدالة بعد اعتذارهم لشعوبهم، وجبر الأضرار. فى المجمل كان اللقاء مهماً للوقوف على مدى إمكانية التوافق بين الفرقاء بعيداً عن الشكل الاحتفالى، وبعيداً عن المناورات السياسية والتى ترحل المصادمة وتفخخها، ويبقى أن نحلل بهدوء فعاليات اللقاء فى سطور قادمة.