دلف الحاج علي، البالغ من العمر 55 عامًا، إلى بيته مجهدًا خائر القوى بعد أن أصرّ على الوقوف في طيلة هذا اليوم شديد الحرارة، مشيعًا هو والآلاف من أهالي قرية عزبة 7 بسيف الدين مركز الزرقا بمحافظة دمياط جنازة الشهيد المجند عباس رفعت العيسوي، ابن الحاج رفعت جارهم، والذي استشهد بطلق ناري بالرقبة في هجوم غادر شنَّه مسلحون على مدينة الشيخ زويد، حيث كان يؤدي خدمته العسكرية. كم كان متأثرًا وهو يواري جسد ابن جاره الثري ذلك الشاب الغض الذي عاشره رضيعًا وطفلاً وشابًا يافعًا بحكم الجيرة التي تجاوزت العقدين من الزمان والذي طالما اعتبره أحد أبنائه كعادة أهالي القرى البسطاء. كان يومًا حافلاً وتوافد الأهالي من القرى المحيطة وحتى من مركز (الزرقا) وبعضم جاء من دمياط نفسها لتشييع جنازة الشهيد، مدفوعين بعاطفة لطالما كانت متأججة عن المصريين منذ نكسة 67 ومرورًا إلى النصر في 73 وحتى يومنا هذا، حيث لا يخلو بيت من بيوت المصريين من شهيد أو أكثر في هذه الحرب أو تلك. ولطالما اعتبر المصريون أن شهيد الجيش هو الأعلى قدرًا على الإطلاق من حيث النعي والرثاء والحزن كونه مات فداءً للوطن. وأمسك ريموت التلفاز بيد مرتعشة ليطالعه أحد قيادات الإخوان المسلمين ونجم المنصة الأول محمد البلتاجي، قائلاً "هذا الذى يحدث في سيناء ردًا على هذا الانقلاب العسكري يتوقف في الثانية التي يعلن فيها الفريق أول عبدالفتاح السيسي أنه تراجع عن هذا الانقلاب ... إلخ". أغلق الرجل التلفاز حانقًا متمتمًا ببعض اللعنات على رؤوس الجميع. بعدها بأيام.. جاء إلى القرية خبر.. أن اذهبوا يا أهل فلان وفلان لتسلم جثثهم، حيث إنهم كانوا ممن توفاهم الله في أحداث فض اعتصام رابعة العدوية. حزن الحاج علي كثيرًا لأنه كان يعلم جيدًا أن هذين الشابين بلغة أهل القرية "طيبين جدًا وفي حالهم" و"عمرنا ما شفنا منهم العيبة". وأخذ يقارن ببساطة شديدة بين من مات دفاعًا عن الوطن في تأدية الخدمة العسكرية، ومَن مات دفاعًا عن أطماع هذا البلتاجي ومن على شاكلته. وكالعادة احتشد أهل القرية جميعًا بمن فيهم الحاج علي شخصيًا لتشييع جثامين الشابين، وحاول بعضهم من أصحاب التوجهات السياسية المعروفة ترديد هتافات تخص المنتمين لجماعة بعينها مطالبين برجوع الرئيس المعزول مرسي، ولكنها سرعان ما اختنقت في الحناجر بعد أن طالعهم الغضب المحتقن في نفوس أغلب المشيعين التي ما زالت متأثرة بوفاة ابن الحاج رفعت. أنهى الحاج علي مراسم تشييع الجنازة، وعاد إلى بيته حانقًا على الثورة وعلى "شوية العيال اللي قاموا بيها"، حيث يرى أننا لم نجن من ورائها سوى الفرقة والانقسام والدماء التي ما زالت تسيل بشكل غير مسبوق إلى الآن.