طرقت باب الحجرة بهدوء قبل أن تدخل حاملة صينية الإفطار وابتسامة مشرقة تعلو وجهها الذي لا يزال رغم سنها الذي تخطى الستين بقليل يحمل لمحة من الجمال لاتخطئها العين. نادت برفق على رفيق دربها، الذي أقعده المرض عن الحركة وأسكته عن الكلام منذ سنوات تفانت فيها في خدمته وتلبيه مطلباته.. تلك المرأة الباسلة التي رفضت أن لا يخدمه سواها.. فقد كان لها بمثابة الزوج والأخ والصديق والابن بعد أن تزوّج أبناؤها جميعًا وانصرف كل منهم إلى حياته الخاصة. تشعر بسعادة بالغة حين ينظر لها بحنان ممتن أو يبتسم لها متمتمًا ببعض كلمات مبهمة رافعًا يديه إلى السماء محاولاً فيما يبدو الدعاء لها وهو أقصى ما يمكنه فعله في مثل حالته، دعوة وابتسامة كانت هي زادها الوحيد في هذه الرحلة الشاقة التي استمرت لسنوات.. إلى أن استرد الله وديعته.. حزنت عليه كما لم تحزن من قبل.. ذبلت الزهرة سريعًا، واختفت الابتسامة تحت وطأة دموع لا تجف. وظلت على هذا الحال حتى لحقت سريعًا بحبيب العمر، بعد أن افترسها المرض اللعين بشراسة، عندما لم يجد منها على ما يبدو أي مقاومة تذكر، عجيب هو أمر تلك المناعة.. تجعلها السعادة خط دفاع لا يقهر، ويقضي عليها الحزن بضربة واحدة.