شاب فى ريعان شبابه يقرر أن يمتطى صهوة سيارة تزدحم بنصف طن أو أكثر من المتفجرات، ينفذ بها عملية انتحارية فى مقر أمنى أو مبنى عسكرى أو مدنى ليحصد أرواح العشرات ويصيب المئات.. أى جرم هذا؟ أى جرم يحمله من أقنع هذا الشاب بذلك؟ أى إفك يسكن من زيّن له أنّ صلاح الدنيا فى أن يريق الدماء؟ وأى عار يصيب من أفهمه أن ذلك من الدين؟ ليس ذلك من العقل ولا الإنسانية ولا صلاح الدنيا فى شىء. فأى عقل أو إنسانية أو صلاح فى القتل والتخريب؟ ناهيك عن أن يكون ذلك من الدين. لقد أراد الله الأمن للحياة على الأرض، وجعله سراً من أسرار عبادته والإيمان به: «فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف». وقد كان القرآن الكريم يوجه النبى صلى الله عليه وسلم إلى تذكير العرب بنعمة الأمن التى ارتبطت بإيمانهم بالدين الحق.. «واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون فى الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم». وقد جعل الله الأمن حقاً للمسلم وغير المسلم، وفرضه كواجب ينبغى على من آمن بالله ورسوله أن ينهض به حتى ولو اتصل الأمر بمشرك. والقرآن الكريم يقول: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون». لقد أنكرت جماعة الإخوان صلتها بالتفجيرات التى وقعت خلال اليومين الماضيين. وهو نفى لم يصدقه الكثيرون، والسبب فى ذلك يعود إلى أدبيات الإخوان. فمن يراجع هذه الأدبيات سيجد تلك الفكرة المغلوطة حول مفهوم الجهاد والتى أفرزها سيد قطب، حين رضى بالقتل كأداة فى يد الجماعة المؤمنة (التى تكفّر غيرها) تستخدمها فى التخلص من كافة الطواغيت التى تحول بينها وبين الوصول بدعوتها إلى الناس. ومفهوم الطواغيت ينصرف إلى الأشخاص والقوى والمجموعات التى تحكم مجتمعاً أو دولة معينة ولا تترك فرصة لتلك الجماعة كى تفرض فكرها ورؤيتها على الآخرين. لم يفهم سيد قطب أنه -من حيث كان يدعو لمحاربة الطواغيت- تحول والجماعة التى آمنت بأفكاره إلى طواغيت! الأخطر من ذلك أن «سيد قطب» أهمل أن الجهاد فى الإسلام واجب على المسلم حين يتعرض لتهديد من عدو خارجى، وأنه وسيلة للدفاع عن المستضعفين فى الأرض وليس سحقهم بالتفجيرات كما يحدث الآن. كما أن مفهوم الجهاد له دلالة أشمل تتعلق بكل «جهد» يبذله الإنسان من أجل تعمير الحياة والأخذ بأسبابها. فالجهاد فى الإسلام لا يعنى القتل، بل يعنى حماية الحياة، أما عمليات القتل الممنهج فهى ترتبط بصراعات المصالح، وهو صراع وقع بين المسلمين وغيرهم، كما وقع بين المسلمين أنفسهم. ومن يراجع أحداث الفتنة الكبرى يمكن أن يستخلص هذه الفكرة بسهولة. أعلم أنه من السهولة بمكان أن يتبنى إنسان فكرة معينة، لكن الصعوبة كل الصعوبة ترتبط بامتلاك شجاعة مراجعة هذه الفكرة، ولكن ماذا نقول فى بشر شعارهم فى الحياة «الجبن سيد الأخلاق»؟!