المرور فى شوارع غزة والتحاور مع قادة «حماس» بقدر ما كان من الصعوبة والخطورة خلال رحلة «الوطن» داخل أرجاء القطاع الملتهب.. إلا أن الوصول لقلب التنظيمات، وتحديداً «سرايا القدس»، الجناح العسكرى لحركة الجهاد الإسلامى، كان الأكثر رعباً وخطورة.. فالتنظيم الذى تحمل قذائف «الهاون» المتساقطة فى سيناء اسمه يعمل على خط النار، أو بمعنى أدق فى «دائرة الرباط».. و«الرباط» هنا هو التسلل عبر الحدود الإسرائيلية مع القطاع والقيام بعمليات ضد العدو الإسرائيلى، كما يقولون.. والرباط يكون ليلاً فقط وبالزى العسكرى وبالسلاح.. وما بين لحظة وأخرى، يترقب الجميع أن ترصد إسرائيل وجود الجماعة المرابطة.. فيتم قصفها فى أقل من دقيقة. وفى وسط هذه الأجواء وعلى حدود المناطق المحرمة.. «الوطن» تنفرد بأول رحلة مع المرابطين على الحدود.. نطقنا الشهادتين كإجراء احترازى، وانقطعت وسائل الاتصال.. ودخلنا قلب العرين وحاورنا قياداته وعناصره. «ليلة من الرعب»، بمعنى الكلمة، هو أقل ما يمكن أن توصف به تلك اللحظات التى عاشتها «الوطن» للوصول إلى إحدى النقاط التى تتم فيها عملية «المرابطة» بواسطة عناصر «سرايا القدس» على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل. و«الرباط» فى مفهوم حركة «الجهاد الإسلامى» وكتائبها العسكرية «سرايا القدس» يعنى أن «أرض فلسطين فى رباط إلى يوم الدين»، وأن هذه العناصر تنفذ عمليات تأمين حدودية فى مناطق سرية وتحركات محسوبة بالسنتيمتر الواحد، حتى لا يتم رصدها من قبل إسرائيل، سواء من خلال طائرات الهليكوبتر أو أجهزة الرصد وكاميرات الاستطلاع، ومن ثم قصف «المرابطين» بالطائرات فورا. الطريق طويل مظلم والجو قارس البرودة، درجة الحرارة أقل من 3 درجات تحت الصفر، والأشجار تحف المكان فى ظلمته، فلا تستطيع أن ترى أبعد من مترين على أقصى تقدير، وما بين كل 500 متر وأخرى يتم تسليمنا إلى وسيط مختلف، للسير ما بين طرق رملية وعرة للوصول إلى «نقطة المرابطة»، وهى نقطة وُصفت بأنها «متقدمة جدا على الحدود مع العدو»، ولا تبعد عنها أكثر من كيلو متر واحد فقط. ومن خلال التنسيق بين الوسطاء عبر أجهزة اللاسلكى، طُلب منا إغلاق هواتفنا المحمولة، وأخذنا وسيط إلى آخر حتى لا يتم إطلاق النار علينا كعنصر غريب دخل المنطقة «المحرمة». وما بين لحظة وأخرى يترقب الجميع أن ترصد إسرائيل وجود المجموعة «المرابطة» ومن معها، فيتم قصفنا فى أقل من دقيقة، ولكن فجأة يظهر لنا من وسط الظلام الدامس رجلان يرتديان الزى العسكرى ويحملان الكلاشينكوف وعلى جبهتيهما شارة مكتوب عليها «سرايا القدس». وافق الرجال على الحديث معنا، ولكن «الكلام فى السياسة ممنوع»، وهذا هو أهم شرط وضعته «سرايا القدس» قبل أن تسمح لنا بمقابلة العناصر «المرابطة» على الحدود، حيث يمكن فقط الكلام فى شئون الجهاد وطبيعة الظروف الصعبة التى يعمل بها هؤلاء المرابطون. وحينما حاولنا اختراق حصار الكلام إلى سؤال يخص حقيقة تهريب شباب «الإخوان» عبر الأنفاق لمشاركة «سرايا القدس» فى عمليات «المرابطة» وفى التدريبات العسكرية، اعترض الوسيط بشدة وانفعل وحاول وقف التسجيل، لكن فى النهاية رد أحد عناصر المرابطة بوجهه المختفى خلف القناع الأسود باقتضاب «لا لم يأتوا إلى هنا، ونحن لا نعمل ضد مصر، بل ضد إسرائيل فقط»، وأكد زملاؤه أن «العدو الإسرائيلى يحاول أن يستغل أى فرصة لدخول قطاع غزة لكننا له بالمرصاد». «الوطن» حاورت بعض المرابطين على الحدود، لتتعرف منهم على معنى «المرابطة» بدقة، وعلى احتمالات الصدام المسلح بينهم وبين عناصر حرس الحدود الإسرائيلى، وأسرار أخرى: ■ ما «الرباط» تحديدا؟ - أحد عناصر «سرايا القدس»: «نحن أفراد الجناح العسكرى ل«السرايا» نرابط هنا فى بعض الأماكن السرية، انطلاقا من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذه المنطلقات تملى علينا وتعطى لنا أوامر ربانية وإلهية للدفاع عن أرضنا المقدسة ومهمتنا الأولى هى تحرير فلسطين وسائر الأراضى المحتلة. ■ هل بدأت تحديدا عمليات «الرباط» منذ عام 2007؟ - لا من قبل ذلك وتحديدا من وقت تحرير غزة، ووقت أن كانت المستوطنات الإسرائيلية فى القطاع كانت هناك نقاط رباط أيضاً لكنها كانت قليلة. ■ هل يكون الرباط فى الليل فقط، أم فى النهار أيضاً؟ - الرباط يكون ليلا فقط وبالزى العسكرى والسلاح، أما بالنهار فتكون هناك عناصر أمن منتشرة بالزى المدنى على طول الحدود، و«المرابطون» يتم استبدالهم باستمرار بمجموعات أخرى وفى أماكن مختلفة، حسب الحالة الأمنية، ووفق توقعاتنا الأمنية بالتحركات الإسرائيلية من خلال عمليات الرصد. ■ هناك تصريحات إسرائيلية عن احتمالية مواجهة مرتقبة بينكم وبينهم؟ - العدو يحاول أن يستغل أى فرصة لدخول قطاع غزة، لكننا له بالمرصاد. وإذا فكر فى ذلك فسنكون له الجندى المجهول الذى سوف يدحر أى عنصر إسرائيلى ليعود قتيلا أو جريحا. ■ لكن كل فصائل المقاومة وعلى رأسها «سرايا القدس» قامت بالتوقيع على اتفاق التهدئة منذ عام تقريبا.. فهل يمكنكم خرق هذه التهدئة فجأة؟ - التاريخ يعلمنا، على مدار الزمن، بل وعلى مدار السنوات الماضية، أن هذا العدو لا يحترم تهدئة ولا هدنة ولا اتفاقيات، ونحن فى حركة «الجهاد الإسلامى» وجناحها العسكرى «سرايا القدس» على أتم الاستعداد ولدينا التجهيزات الكاملة للرد فى أى لحظة على أى عدوان إسرائيلى. ونحن فى هذه الأوقات لا نعترف بالتهدئة ونقوم بالإعداد والتجهيز للمعركة القادمة إن شاء الله، والعدو الإسرائيلى رأى كيف كان إعدادنا فى الحرب الماضية «حرب الثمانية أيام» و«معركة السماء الزرقاء»، و«سرايا القدس» ردت بقوة وأرسلت للعدو رسائل قوية، وحينما ادعت إسرائيل أنها دمرت القدرات الصاروخية الكاملة ل«السرايا»، ردت عليها الأخيرة ميدانيا وعمليا بأن وصلت صواريخها إلى قلب تل أبيب. ■ إسرائيل لديها أبراج استطلاع ومراقبة على الحدود ومن وقت لآخر تحلق طائراتها للكشف عن مواقعكم.. فكيف تؤمنون وجودكم على الأرض أثناء عمليات «الرباط»؟ - شبابنا ينزلون إلى الرباط فى معية الله سبحانه وتعالى، وهم مدربون تماما على أخذ احتياطات الحيطة والحذر للاختفاء عن أعين الإسرائيليين، وهناك مناطق لا يمكن رصدها، وهم موزعون فى مناطق منتشرة بعيدا عن بعضهم البعض، لكى يكون حجم الخسائر أقل ما يمكن إذا ما حدث استهداف لأى نقطة تمركز. ■ إذا ما حدثت مواجهة فكيف تصل الإمدادات العسكرية إلى منطقة الرباط؟ - هناك تنسيق كامل ما بين المجموعات المختلفة عبر ما يسمى «عمليات الإسناد» القريبة أو البعيدة من خلال الدعم بالعتاد والمقاتلين معا. ■ هل تكون عمليات الإمداد بالعتاد والمقاتلين سهلة فى هذا المحيط الجغرافى المستهدف؟ - سهلة جدا، فكل مجموعة تتكون من 7 - 10 أفراد بكامل أسلحتها وعتادها العسكرى من الأسلحة المتوسطة والخفيفة، وعلى بعد قريب جدا فى «نقاط خلفية» لدينا عتاد كبير يمكننا من الصمود والمواجهة حتى وصول الإمدادات من نقاط أخرى لاحقا. ■ هل هذه المواجهات المتوقعة بينكما ستكون وجها لوجه.. أم استهدافا من الطيران الإسرائيلى؟ - فى الغالب ستكون وجها لوجه، وهناك قوات خاصة تقوم بإبلاغ القيادة بأى تحركات على الأرض لاتخاذ اللازم. ■ هناك تقارير إعلامية تحدثت عن وصول أكثر من مجموعة من شباب «الإخوان» فى مصر عبر الأنفاق للاشتراك فى التدريبات العسكرية وفى عمليات «الرباط»؟ - (بعد اعتراض شديد من أحد المرافقين على الحديث فى السياسة ومطالبته لنا مغادرة المكان فورا): لا لم يأتوا إلى هنا ونحن لا نعمل ضد مصر، لأن من مبادئ حركة «الجهاد الإسلامى» وكتائبها «سرايا القدس» أنها لا تملك قولا أو فعلا موجها لأى جهة غير إسرائيل، فعدونا الوحيد هو إسرائيل فقط، بل إن الهدف الأساسى لتأسيس الحركة والسرايا هو محاربة العدو الإسرائيلى، وكل طاقتنا موجهة لمواجهة هذا العدو، فنحن نعمل بكامل قوتنا لمواجهته، ومصر تاريخا وشعبا وقيادة وحكومة على مدار التاريخ بالنسبة لنا كحركة «جهاد إسلامى» تثبت لنا أن جغرافية مصر وفلسطين وبلاد الشام أرض واحدة، وأرض مصر ونيلها وشعبها رووا أرض فلسطين بالدماء، فالجنود المصريون على مدار التاريخ ضحوا بدمائهم للدفاع عن أرض فلسطين، ونحن ومصر عدونا واحد، كما أن عدو الشعب الفلسطينى وعدو الشعب المصرى وعدو الأمة العربية هو إسرائيل، ونحن على يقين أن من يطلق هذه الشائعات ضدنا هو الكيان الإسرائيلى والموساد (المخابرات الإسرائيلية) التى تعمل على إفساد العلاقة ما بين الشعبين الفلسطينى والمصرى.