«إيّو» هى نعم بالنوبية، و«إيّو» قالتها النوبة منذ أسابيع! فبمجرد أن ظهرت بدايات المكاسب النوبية فى بنود عدّة من مشروع الدستور، عمّت موجات من الفرحة قلوب النوبيين، وانهمرت غزارة من الاتصالات بين النوبيين فى شتى أنحاء مصر وخارجها، فرحة عارمة تزغرد. فرحة تقول.. أخيراً أحس بنا وطننا الأم مصر.أخيراً وبعد لأىٍ يتحقق لنا الشعار الرابع من ثورة (25/30)، (كرامة إنسانية)، بالفعل الجرح الأعظم فى وجدان النوبيين كان مس الكرامة النوبية، باعتبارهم ليسوا مثلهم مثل بقية ناس مصر. مُسَّت كرامة النوبيين برفض السلطات المتعاقبة عودتهم لموطنهم، رغم أن مهجرى قناة السويس تمت إعادتهم قبل إتمام العام الثامن، والنوبة طال بها الشتات لمائة وخمسة عشر عاماً. منذ بدء إنشاء خزان أسوان، وبدأت التهجيرات تضربهم فى أربعة زلازل، آخرها زلزال تهجير 1964، فإذا بالمادة رقم 236 من مشروع الدستور تقول بالفم المليان (تكفل الدولة الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والعمرانية الشاملة للمناطق الحدودية والمحرومة، ومنها الصعيد وسيناء ومطروح ومناطق النوبة، وذلك بمشاركة أهلها فى مشروعات التنمية، وفى أولوية الاستفادة منها، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحلى، خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون. وتعمل الدولة على وضع وتنفيذ مشروعات تعيد سكان النوبة إلى مناطقهم الأصلية وتنميتها خلال عشر سنوات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون)!! هل كان الصعيد وسيناء ومطروح والنوبة تحلم بكل هذا الاهتمام الدستورى الرائع؟ ويقرأ النوبيون الفقرة الثانية من هذه المادة الأسطورية، إن محتواها هو اعتراف بأن لهم حق العودة، وهو الحق الأساسى الذى عانى النوبيون الكثير من أجل إقناع المسئولين والشعب عامة به، اعتراف بحق عودة النوبيين لموطنهم النوبى خلال عشر سنوات! أى تقدم وأى تحضر، وأى إقرار واضح صادح بحقوق ملايين النوبيين المصريين. هذا من بعد غبن كتم الصدور وطعن القلوب وأبكى العيون؟ حق العودة من بعد فراق جزئى وكلى عن موطنهم طال حتى تخطى القرن. فكيف لا يفرح النوبيون بهذا الإنجاز الوطنى؟ الشكر النوبى لم يكن محصوراً فى ممثلهم فى لجنة الخمسين، بل الشكر توجه للجنة الخمسين بكاملها، الشكر لتلك الكوكبة التى أحست واقتنعت بحقوق مواطنيهم النوبيين. اللجنة التى سطرت مواد عدّة تعترف بتعدد الهوية الثقافية المصرية وتنوعها، وإن الثقافة حق لكل مواطن دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى، وتؤكد اهتمام الدولة اهتماماً خاصاً بالحفاظ على مكونات التعددية الثقافية فى مصر، وفى المادة 53، تجريم للتمييز بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس، أو الأصل أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة إلخ، يلاحظ وضع الإعاقة والعرق واللون واللغة! إنها إضافات هامة تحافظ على كرامة الإنسان، فباب الحقوق والحريات فى هذا الدستور باب رائع، منير، ساطع. النوبيون أصبح لهم ظهير دستورى يواجهون به بعض الوقاحات التى تسخر من لونهم علناً فى بعض المسلسلات الهابطة وغيرها، إذن، ليس عجباً أن يكون أول تحرك شعبى مصرى يقول «نعم» للدستور، بدأ به شباب نوبى من الجنسين، شباب من شهور رفعوا شعار: (الدستور يا نوبيين) ثم كونوا لجنة لمساعدة ممثل النوبيين فى الخمسين، فرحوا بالإنجازات الأولية، فكانوا بداية انطلاق المصريين لقول «نعم» للدستور، وضعوا لافتة («إيّو» للدستور)، نعم للدستور، وبدأوا الاتصال بكل النوبيين داخل وخارج مصر، والآن النوبيون فى مدينة أسوان، وفى قرى التهجير، يعدون لدعوة عدد من لجنة الخمسين، ليقيموا أمسيات ملحمية تحت شعار: («إيّو» للدستور). بالفعل النوبة من أهم أسس الوطن المصرى، وبالفعل أغلب المصريين أدركوا ذلك وتيقنوا، فوقفت لجنة الخمسين وقفة إنسانية وطنية مع أساسهم النوبى، وأدلوا بأصواتهم مع حق عودة النوبيين بأغلبية كاسحة، ولهم الشكر ولمصر السؤدد إن شاء الله. مشروع دستور 2013، مشروع لشامل الشعب المصرى، نسائه ورجاله، مسلميه ومسيحييه، أطفاله وشبابه وشيوخه، فلاحيه وعماله، مبدعيه ورجال أعماله، ولم ينسَ المشروع الصعيد المهضوم، ولا محافظات الحدود من الجنوب النوبى للشمال الشرقى السيناوى والشمال الغربى بمرسى مطروح، وبالطبع على نفس المنوال كل المناطق التى سبق، وتجرعت الإهمال. حزب النور رغم اعتراضاته العديدة، كان أساساً مع المجموع، ولم يعمل على عرقلة المسيرة الوطنية الدستورية، بل صار قوة من قوى انطلاقها للأمام، الكل رابح والكل راضٍ، والكل مُصر على عبور الفترة الصعبة التى تمر بها مصر، والكل ارتضى بتنازل جزئى عن مطالبه، ليستقر الوطن الذى يحوينا جميعاً. أستطيع أن أقول إجمالاً، ولن ألتفت لاستثناء يؤكد القاعدة.. أن الكل فى لجنة الخمسين كان رجل دولة فى هدفه الأساسى، والهدف هو شعار: «تحيا مصر»، وهو الشعار الذى هتف به رئيس لجنة الخمسين وردده خلفه الخمسون: تحيا مصر. بهذا الدستور، تؤكد لجنة الخمسين الممثلة لمصر، أننا قادرون على إنجاز خارطة الطريق، وقادرون على تخطى الأزمة الخانقة، قادرون على رفعة مصرنا لتكون قوة عظمى فى المنطقة، وقوة مؤثرة يُحسب لها حساب فى العالم. نعود لنوبة مصر، النوبة قالت قبل غيرها، وستؤكد قولها بصيحات عالية فى لقاءات حاشدة: لدستور مصر.. «إيّو». لدستور الكرامة.. «إيّو». لدستور العودة.. «إيّو». وتحيا مصر.